الإثارة الإعلامية التي أعقبت اغتيال الطاغية قاسم سليماني سببها ليس أنه قائد يساند الشعوب المغلوب على أمرها في العالم، ولكن يرجع إلى أن أغلب دول العالم والرأي العام العالمي لديهم شبه إجماع على أن هذا الرجل طاغية ولابد من التخلص منه فهو الذي قتل الأطفال في سوريا، ويتم أطفال العراق واليمن ولبنان، وشردهم من ديارهم ونشر الرعب بينهم، وكان المخطط الأول لنظام الملالي الإيراني الذي مثل له مقتل هذا الطاغية صدمة كبيرة، والتي كان نظام الملالي بحاجة إليها لإيقاظه وتعريفه بحجمه الحقيقي، ولكي يدرك الأخطار المستقبلية المترتبة على أطماعه التوسعية، حتى على شعبه، والتي كانت وراء نشوب كل الصراعات والحروب بين الدول، وأشعل المنطقة وخاصة العربية بنيران هذه الحروب وويلاتها وغذى الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» و»داعش» و»النصرة»، و»الإخوان»، وأثر سلبياً على برامج التنمية فيها. وكلما أرادت الأمم المتحده ودول العالم بما فيها الدول العظمى مثل أوربا وأمريكا إيقاف هذا النظام عن جرائمه وإعادته إلى صوابه ازدادت غطرستةً ظناً منه أنه أصبح حصاناً أصيلاً ولم يدرك أنه «بغل» بطيء أول ضحاياه هم شعبه وقمعه الدموي لهم كلما خرجوا للتظاهر ضد الفساد والعنف الذي كان يمارسه ضدهم، وكان من المفروض أن عليه أن يأخذ الوقت الكافي لاستيعاب حجم هذه الضربة ولكنه كعادته قام بمحاولة فاشلة بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدة أمريكية وهي عين الأسد ضد ما اعتبرته بمثابة إعلان حرب أمريكية عليه.

ومن المفارقات العجيبة أن هذا النظام لا يملك الشجاعة الكافية في مواجهة الآخرين، وذلك لأنه يدرك أن ما يقوم به هو من أعمال تعد بمثابة جرائم حرب ضد الشعوب بواسطة الحرب بالوكالة، حيث لجأت إيران إلى خلاياها وأذرعها وتنظيماتها التي تدور في فلكها على غرار ميليشيا تنظيم «حزب الله» اللبناني من أجل استهداف المعارضة في سوريا، ذلك أن إيران تعاني في حقيقة الأمر من ضعف إمكانياتها العسكرية على المستويين العسكري والتقني. هذه هي استراتيجية الضعيف في مواجهة القوي والاستراتيجية المثالية التي يمكن أن تعتمدها قوة تريد أن تجعل الآخرين يحترمونها ورسم مناطق نفوذها وإزعاج قوة أخرى منافسة، وكما يحدث الآن ما تقوم به الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن يزودهم بالأسلحة والمال، وبهذه السياسة التوسعية لنظام الملالي وتدخلاته جعل الدولة في العراق وسوريا ولبنان واليمن تفقد هويتها واعترف هذا النظام بهذه السياسة عندما قال آية الله أحمد علم الهدى وهو إمام الجمعة في مدينة مشهد «شمال شرق»، ثاني أكبر مدن إيران، وهو أيضاً عضو في مجمع الخبراء المكلف بتعيين المرشد الأعلى، والإشراف على عمله، وحتى إقالته، عندما قال «هل تعلمون أين تقع إيران؟ أليس جنوب لبنان إيران؟ أو ليس حزب الله إيران؟ جنوبكم وشمالكم إيران».

والأسوأ من كل ذلك أن التدخل الإيراني في العراق جعله ساحة حرب لتصفية الحسابات بين الدول المتصارعة خاصة بين أمريكا وإيران وبيئة حاضنة للجماعات الإرهابية مثل «داعش»، والقاعدة بعد أن كان العراق البوابة الشرقية للأمن العربي أصبح بلا حكومة والضحية هو الشعب العراقي الذي لا يستحق هذه الحياة في أرض تحتوي على كل الثروات النفط والمعادن والأراضي الخصبة والأنهار والموقع الاستراتيجي ويحتاج العراق إذا ما أصبح دولة مستقلة إلى سنوات طويلة لكي يستعيد العراق ما كان عليه.

وقد شهد العراق وسوريا خلال الأعوام القليلة الماضية حرباً حقيقية بالوكالة بين قوى إقليمية وأخرى دولية اصطفت فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة من ناحية، فيما وقفت على الجانب الآخر روسيا وإيران والصين وهي الدول الثلاث الرئيسية التي ظلت تدعم نظام بشار الأسد، وتحول دون سقوطه. وأفادت بعض التقارير الصحفية بأن إيران -في ظل تنامي التوتر ضد الولايات المتحدة الأمريكية- قد طلبت من ميليشيات موالية لها وتدور في فلكها منذ عدة أعوام الاستعداد لخوض حرب بالوكالة في الشرق الأوسط حيث نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية مقالاً مطولاً في هذا الصدد تحت عنوان: «إيران تطلب من ميليشياتها الاستعداد لخوض حرب بالوكالة في الشرق الأوسط».

من جهة أخرى، أفادت عدة تقارير بأن قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني الذي أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية تنظيماً إرهابياً قد اجتمع بقادة الميليشيات الموالية لنظام الملالي في طهران عندما زار العراق قبل ثلاثة أسابيع، ويقال إنه قد أصدر أوامره بالاستعداد لخوض الحرب بالوكالة لمواجهة التهديدات الأمريكية المتصاعدة والتي قد تفضي إلى حرب شاملة ولكن نواياه الشريره أوصلته إلى أن تكون نهايته بمثابة فيلم سينمائي يردى فيه قتيلاً وتعرضه كل شاشات التلفزيون في العالم ووكلات الأنباء لكي يكون عبرة لغيره.