ترتبط الفنون ارتباطاً وثيقاً بالمشاعر والروح، فالموسيقى والرسم والرقص التعبيري وغيرها من الفنون كلها عوامل مؤثرة‫، ‬فعلى الرغم من قيمتها الجمالية إلا أنها جاءت لتعكس ما بداخل الأفراد، وبمجرد ممارستها تُظهر ما بداخل هؤلاء الأفراد من مشاعر سواء كانت فرحاً أو حزناً، ولعلنا نركز قليلاً على الموسيقى وتأثيرها في الشفاء وتغيير الحالة المزاجية والنفسية والصحية، ففي الفترة الأخيرة تم اعتماد العلاج بالموسيقى رسمياً في بعض المصحات النفسية والمستشفيات العلاجية بداخل الكثير من الدول الأجنبية كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول العربية كما هو الحال في المملكة الأردنية الهاشمية ولبنان‫.‬

استخدم الإنسان في العصور القديمة الموسيقى لطرد الأرواح الشريرة فكان الإغريقيون يعتقدون بآلهة الموسيقى والطب «أبولو»، وكان المصريون يستخدمون الموسيقى كعلاج في معابدهم، وكان أفلاطون يردد «إن الموسيقى تؤثر على العواطف وبالتالي تؤثر على طبيعة الفرد»، وآرسطو اعتقد أن الموسيقى تؤثر على الروح ووصفها بأنها كقوة كبيرة تطهر المشاعر.

إن العلاج بالموسيقى هو نوع من أنواع العلاج التعبيري بالفنون، والذي يستخدم لتعزيز الصحة الجسمانية والنفسية والتواصل الاجتماعي والفكري بين الأفراد، وأثبتت الكثير من الدراسات أن الموسيقى أصبحت اليوم وسيلة يتعالج بها مرضى القلب وعن طريق إيقاعاتها تتوازن ضربات القلب بالتحديد، ومن خلال العديد من الدراسات والبحوث على تأثير الموسيقى على مرضى القلب، جاءت النتائج جميعها إيجابية وفعّالة على صحة المرضى ومن ناحية أخرى تم التأكد من خلال مراقبة المرضى بعد إجرائهم عمليات فتح القلب أو بعد وضعهم اجهزة تنظم ضرباته أن الجمع بين قوة تأثير الموسيقى كالموسيقى الكلاسيكية والعلاجات الحديثة لأدوية القلب يخلط توازناً فعالاً يقلل من ارتفاع ضغط الدم ويوازن ضربات القلب ويسرع من العلاج.

وجد أيضاً أطباء القلب بأن من استمعوا للموسيقى مباشرة بعد إجراء عملياتهم بنجاح كانوا أقل قلقاً وأكثر تفاؤلاً لاتجاه متابعتهم العلاج، كما انخفضت لديهم مستويات الألم بطريقة واضحة، هذا لا يعني أن يترك مريض القلب الأدوية المخصصة ويمنع نفسه من زيارة طبيبه المختص، ولكن عليه أن يوفر الجو الموسيقي الهادئ الذي يساعده على العلاج.

«الموسيقى هي نوع من الوحي قد يكون أعمق من الحكمة والفلسفة، الموسيقى هي التربة الخصبة للنفس حتى تحيا وتفكر وتخترع»، هكذا يقول بيتهوفن، وقد يكون بعبارته هذه لخص أهمية الموسيقى ووقعها في حياة الإنسان وكيف تساعده على الإبداع والتفكير.

نلاحظ أن الكثير من الأمهات في الولايات المتحدة الأمريكية يستخدمن أثناء تربية أطفالهن العلاج بالموسيقى، وبالتحديد الموسيقى الهادئة مثل «Little Beethoven»، إلا أن مع الوقت اكتشف العلم أن صوت الأم مع طفلها أثناء الغناء وانتقال مشاعرها عبر ذبذبات صوتها يكون أكثر فاعلية وتأثيراً من عزف الآلات.

مهما اختلفت الأذواق الموسيقية بين شخص وآخر، فهناك من يفضل الموسيقى الكلاسيكية، وهناك من يعشق الإيقاع السريع الصاخب، وهناك من يحب الاستماع للموسيقى المحلية التي تعبر عن واقعهم ولغتهم.

الموسيقى غذاء الروح، فلا تنهروا أولادكم عند سماعها، مهما اختلفت أذواقهم عن أذواقكم، عززوا حب الفنون الموسيقية باختلافها.

فأياً كان نوع الموسيقى لا بد أنه سيأتي اليوم الذي سيحتاجون لتلك الموسيقى لغرض يتجاوز مجرد الاستماع التذوقي، فقد يكون بغرض الحب والشفاء أو السلام أو حتى التخاطب والتعايش، فهي لغة حوار صالحة لكل زمان ومكان.