كل شاب وشابة يحلم بزواج سعيد وعلاقة أسرية يملؤها الحب والسعادة وقد يسبق الزواج علاقة حب تتوج بعقد الزواج الشرعي بقصد تكوين أسرة سعيدة، ولكن المهم أن تستمر أو تنشأ علاقة الحب بين الزوجين بعد الزواج ولقد سماه الله ميثاقاً ونعته بالغليظ: «وأخذن منكم ميثاقا غليظا» فالعلاقة الزوجية تؤسس حياة مشتركة مستمرة بين الطرفين تقوم على المحبة والمودة، ولكن قد تضمحل المحبة بينهما سواء بدأت المحبة قبل الزواج أو بعده، عندئذ تختل الموازين ويبدأ يجف ينبوع الحب وتتصحر المشاعر ويبدأ التباعد فلم تعد مشاعر الحب الدافئة تجمع الزوجين.

والواقع أنه ليس هناك شرط أو قاعدة لاستمرار الحب سواء بدأ الحب قبل الزواج أو بعده ولكن استمرار العلاقة الزوجية لها قاعدة أساسية ثابتة رصينة لا تتغير ألا وهي: قدرة الطرفين على التعايش، وأقصد هنا كيف يتعامل الشريكان مع بعض سواء في وقت الرخاء أو وقت الشدة وعند مواجهة ضغوط الحياة وأزماتها مثل: المشاكل الاجتماعية كفقدان طرف عزيز مثل أحد الأبناء أو استقبال طفل معاق، أو الأزمات المادية التي تأخذ الزوجين إلى العديد من المشاكل. فإن لم يوفق الزوجان في اجتياز تلك التحديات والمشاكل سواء كانت مادية أو اجتماعية، ولم يتمكنا من التعامل معها فستؤثر على مشاعر الحب وتصيبها بالمرض والفتور.

نعم... قد يوأَد الحب مع أول مشكلة تواجه الزوجين ولكن إن أتقنا فنون التعايش فسينجحان في الحفاظ على الحب والحياة الزوجية، فقدرة الطرفين على التعايش سواء في أوقات الرخاء أو الأزمات تجعل الحياة الزوجية تستمر بشكل صحيح، وتحفظ مشاعر المودة والرحمة والآلفة بينهما فبدون القدرة على التعايش لا يمكن أن تستمر الحياة بين الزوجين، والتعايش فن معقد يتضمن العديد من المهارات مثل المرونة، وتقبل سلوكيات الطرف الآخر، والقدرة على ضبط النفس، ومهارة الاستماع، واحترام رغبات وذوق الطرف الآخر والقدرة على الاحتواء، والكياسة في التعامل مع المحيطين بالأسرة، سواء أهل الزوج أو أهل الزوجة، وتقديم التنازلات في بعض الأحيان فلا يعتبران التنازل ضعفاً فالتنازل قوة إن كان بهدف تحقيق نتيجة إيجابية ألا وهي استمرار الحياة الزوجية.

إن إدارة الحياة الزوجية تحتاج إلى مهارات عديدة يجب أن يتقنها الزوجان فإذا اتقنا هذه المهارات ستكون البيئة الزوجية حاضنة لعلاقة المحبة بينهما، بل إنها ستولد الحب والتمسك باستمرار العلاقة الزوجية نتيجة طيب التعامل بينهما، فالمواقف الصعبة التي ينجح الزوجان في مواجهتها تغرس التقدير والاحترام والحب في نفس كل منهما تجاه الأخر فيزيد الترابط بينهما مما يقوي بنيان الأسرة فيصبح صلداً متماسكاً يصعب هدمه، ولكن في غياب هذه المهارات ستكون البيئة قاتلة للمحبة بين الزوجين وتتعرض حلقات الميثاق الغليظ للتفكك بتراجع الحب شيئا فشيئا حتى تتقطع الأواصر بينهما تماماً وبالتالي ستنتهي بفشل العلاقة الزوجية.

إن عدم قدرة الشباب على التعايش في حياتهم الزوجية مشكلة اجتماعية حرجة لأنها تتسبب في إنهاء الحياة الزوجية بالطلاق وهو أحد أشكال التصدع الأسري الذي يؤثر سلباً على تنشئة الأبناء ويخل ببناء شخصيتهم فينعكس ذلك على المجتمع. لذا يجب حماية الأسرة من الوقوع في هذه الهوة المظلمة ألا وهي الطلاق، والوقاية دائماً خير من العلاج، فعلى الجهات المعنية الاهتمام بتوعية المقبلين على الزواج بأهمية التماسك الأسري، وتنمية قدرتهم على تحمل المسؤوليات وتعريفهم بعواقب الإهمال، وتدريبهم على مهارات التعايش، وتنمية قدرتهم على الصبر، كما يجب أن يتعودا على حل المشاكل الزوجية أولاً بأول وعدم تركها للتراكم فتصبح ذات ثقل كبير لا يقوى على تحمله بنيان الأسرة فيتصدع، وعلى كل منهما أن يواجه السلبيات ويحاول القضاء عليها والعمل على إنعاش العلاقة.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هل فن القدرة على التعايش يمكن أن تكتسب من خلال الاستماع لمحاضرات أو ورش العمل، أم أنها مهارة يجب أن تكتسب منذ النشأة، ومن المسؤول عن تعويد الشباب على التعايش؟ في تقديري أن تلك مسؤولية الأسرة، فالمحاضرات والورش ما هي إلا عامل مساعد للتدريب، فتنمية القدرة على التعايش من المهارات التي يجب أن ينشأ عليها الأبناء من الصغر فهي مهارة لا تأتي إلا بالممارسة ومن خلال النشأة في أسرة قادرة على ترسيخ مبدأ التعايش في نفوس أبنائها، أسرة قادرة على إيصال سفينة حياتها الزوجية لبر الأمان مهما تلاطمت الأمواج، فالقدرة على التعايش أحد الخبرات التي يتوارثها الأبناء من والديهم، فلتجعلوا الموروث منكم خيراً وذلك في سبيل خلق جيل قادر على بناء أسرة متماسكة. ودمتم أبناء قومي سالمين.