حتى لو كان سبب انفلات الرئيس الإيراني حسن روحاني المفاجئ واللافت من صلاة الجمعة التي كانت بإمامة المرشد علي خامنئي فور تسليمه يتعلق بأمر «بشري خارج عن الإرادة» إلا أن كونه رئيساً لإيران وكون إمام صلاة الجمعة هو المرشد يعطي كل من شهد الواقعة أو سمع عنها الحق في تأويل ما حدث، والأكيد أنها تدفع نحو الاعتقاد بأن خلافاً عميقاً بين الرجلين تطور وأدى إلى تصدع العلاقة فيما بينهما، وتدفع أيضاً إلى الاعتقاد بأن الخلاف الأقوى سببه تحيز خامنئي الواضح والخطير للحرس الثوري الذي يتبعه مباشرة وتهميشه للرئيس الذي تردد في الآونة الأخيرة كثيراً أنه آخر من يعلم، وبالتأكيد للأمر علاقة بالتطورات الأخيرة إثر مقتل قاسم سليماني وتورط النظام في إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية التي راح ضحيتها نحو 180 بريئاً، ولربما كان صحيحاً أيضاً انزعاج روحاني من القصيدة التي ألقاها أحد المنشدين الدينيين قبل الخطبة وهاجمت ضمنياً انتخابه رئيساً للبلاد وكذلك تعالي أصوات التيار المتشدد والحرس الثوري الذي يتهمونه بالخيانة وتجاوزه الخطوط الحمراء للمرشد ويعدون لمحاكمته.

لو أن الذي انفلت من الصلاة فور التسليم مسؤول آخر من الذين كانوا يصلون خلف خامنئي مباشرة لما استثار الأمر أحداً ولما تناوله العامة في وسائل التواصل الاجتماعي وعلق عليه المسؤولون المحسوبون على المرشد واعتبروه تصرفاً غريباً، حيث المتعارف عليه والأصول هو أن يحيي الرئيس والمسؤولون الآخرون المرشد بعد الصلاة ويستأذنه «المتعجل» منهم في الانصراف.

اليوم لم يعد أحد يشك في أن بين الرجلين خلافاً عميقاً وأن هذا الخلاف أدى إلى تصدع العلاقة بينهما، والغالب أن الخلاف أساسه ما قبل سليماني وما بعده وورطة إسقاط الطائرة الأوكرانية، وبالتأكيد الانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير المقبل.

بعيداً عن انفلات روحاني من الصلاة التي قادها خامنئي والخلاف بينهما وأسبابه يسهل القول بأن النظام الإيراني يمر اليوم بمرحلة صعبة تهدد وجوده؛ فكذبة عدم إطلاق الحرس الثوري صاروخاً على الطائرة وقتل جميع من كان فيها وتأكيد ذلك من قبل المسؤولين كباراً وصغاراً أحرجت النظام وأظهرته على حقيقته فلم يعد يثق فيه حتى المهووسون به، وتمكن المعارضة الإيرانية من تحقيق الكثير في الفترة الأخيرة أضعف النظام، فإذا أضيف إلى كل هذه القرارات الأمريكية القاسية فإن هذا يدفع إلى ذلك القول ويؤكد بأن وجود النظام الإيراني بات مهدداً ويمكن أن يسقط قريباً كما يتوقع ويأمل الكثيرون.

العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على النظام الإيراني أدت إلى إضعافه وإضعاف الميليشيات التي أنشأها في سنواته الأربعين وأولها ميليشيات «حزب إيران في لبنان»، ونشاط المعارضة الإيرانية التي لم تهدأ وتضاعف في السنتين الأخيرتين ساهم في إضعاف النظام، ثم جاءت كذبة عدم التورط في إسقاط الطائرة لتزيد من حالة ضعفه ومن حالة النفور منه، وهذه وغيرها من الأسباب التي أبرزها تصدع العلاقة بين مسؤولي النظام ستؤدي إلى النهاية المحتومة والتي ينتظرها الشعب الإيراني وتنتظرها دول المنطقة التي عانت من تدخلات النظام في شؤونها الداخلية ومن تحريضه على حكوماتها ومن دعمه لكل من يتخذ منها موقفاً.

صلف النظام الإيراني جعله يعتقد ويجزم بأن الولايات المتحدة لن ترد على ما وصفه بـ»الصفعة الأولى» والتي ادعى أنها أسفرت عن مقتل وجرح عدد كبير من الجنود في القاعدتين اللتين تم قصفهما بالصواريخ، لكن هذا غير حقيقي وغير معقول، فالرئيس الأمريكي وفر الكثير من الأمثلة على أنه لا يقبل بالخسارة ولو كانت محدودة، لهذا فإنه لن يسكت، وليس بعيداً أن الخلاف بين الرئيس والمرشد سببه الأساس الاختلاف في موضوع كيفية التعامل مع الرئيس ترامب.