تمثل الهوية والثقافة والتراثية، لأي أمة من الأمم، أحد أهم الأعمدة التي يقوم عليها تاريخها وحضارتها، باعتبارها القاسم الجوهري والقدر الثابت والمشترك من السمات العامة التي تميز ذلك التاريخ وتلك الحضارة، وهو ما يُبنى عليه لمستقبل واعد مرتكز على أسس وقواعد متينة، تعطي القوة للأمة وتدفع أبناءها لمزيد من البناء والتطور.

وتكتسب الهوية الثقافية للأمم مقدرتها على البقاء بقدرتها على التطور والتفاعل مع المعطيات الاجتماعية والسياسية والثقافية والتاريخية، وبما تملكه هذه الهوية من وعي للخصوصية المرنة والانفتاح والاستجابة النقدية.

وبلا شك، فإن مملكة البحرين وعبر تاريخها الطويل الممتد لآلاف السنين، استطاعت تشكيل هويتها الثقافية الوطنية الخاصة، والحفاظ عليها رغم ما تعرضت له عبر تاريخها من محاولات للنيل من تلك الهوية، مع المحافظة على تفاعلها ومرونتها وتعاطيها مع كل المتغيرات الإقليمية والعالمية، فظلت هذه الهوية مرتبطة بالأرض والإنسان بالدرجة الأولى، وتوارثها البحرينيون جيلاً بعد جيل بكل فخر واعتزاز، باعتبارها الهوية الجامعة لكل أبناء الوطن بجميع طوائفه وأعراقه وأديانه.

ومع تواصل تنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة، والتي دشنها معالي وزير الداخلية في مارس الماضي، تزداد الحاجة إلى إبراز مقومات الهوية الثقافية للبحرين، باعتبارها من أهم معززات الانتماء والولاء الوطني، وبإظهارها كأحد أهم الجوامع لأبناء الوطن.

وتحرص مملكة البحرين، وبفضل دعم وتوجيهات جلالة الملك، على إبراز هذه الهوية في كل المحافل المحلية والعربية والدولية، وتوظيف الثقافة بجميع مقوماتها لتكون علامة بارزة على الانفتاح الذي يعيشه المجتمع البحريني على مختلف الثقافات؛ مما انعكس في الرصيد المتنوع والغني بالموروث التراثي والقيم والتقاليد التي تزخر بها المملكة.

وهنا لا بد من الإشادة بالدور الكبير الذي تلعبه هيئة البحرين للثقافة والآثار في حماية الهوية الثقافية الوطنية وتعزيزها والتعريف بها، من خلال مشاريع عملاقة ساهمت في وضع البحرين في المراتب الأولى عالمياً، إلى جانب إشراك العناصر الشابة في اقتراح وتقديم البرامج الثقافية، والفنية التي تصب في تحديث الهوية الثقافية الوطنية وإنتاج أفكار مبدعة؛ كونهم يمثلون عماد عملية التطوير والتحديث بما يحملونه من طاقات وأفكار وتطلعات.

ولتأكيد هذا التوجه، تحرص المملكة على إقامة فعاليات متنوعة تقدم الجمال والفرح والمضمون الثقافي، ما يعزز الهوية الثقافية لدى الأفراد، ويساهم في خلق مردود اقتصادي من خلال الاستثمار في الثقافة.

ويُعد مهرجان صيف البحرين، والذي أقيمت نسخته الحادية عشرة العام الماضي، أحد أبرز الفعاليات المعززة للهوية الثقافية الوطنية، إلى جانب نجاح المملكة في إدراج النخلة على في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» خلال الاجتماع الذي عقد في ديسمبر الماضي، بهدف زيادة الوعي بضرورة الحفاظ على شجرة النخيل وصون هذه الثروة الزراعية مما يسهم في تأكيد الهوية الثقافية والاجتماعية.

وتتويجاً لجهود هيئة البحرين للثقافة والآثار، جاء الفوز المستحق لمشروع إحياء منطقة المحرق بجائزة الآغا خان للعمارة في دورتها لعام 2019، والتي تعتبر من أهم الجوائز المرموقة في مجال العمارة على الصعيد العالمي، إلى جانب تواصل الاستعداد للمشاركة في معرض أكسبو الدولي 2020 الذي يقام في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية الشقيقة تأكيداً على أهمية الحضور في المشهد الثقافي الإقليمي والدولي.

كل ذلك جعل مملكة البحرين في مصاف الدول الرائدة في مجال الثقافة والتراث الإنساني، ما يؤكد الضرورة إلى مواصلة دعم المؤسسات التعليمية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز أدوارهم في تأكيد الهوية الثقافية البحرينية بشكل خاص، والعربية بشكل عام، من خلال منظومة ثقافية تشترك في صياغتها كافة هذه المؤسسات، بهدف الحد من مخاطر ذوبان الهوية الثقافية أو تقوقعها على ذاتها.