صحفنا المطبوعة، باتت تتنافس عبر محرريها المتخصصين في الشؤون البرلمانية من خلال تغطياتهم جلسات مجلسي الشورى والنواب، وهذا أمر إيجابي.

الإيجابية في ذلك أن الصحافة تنقل للناس ما يدور في جلسات المجلسين من نقاشات ومساجلات، وبالأخص أمور تحصل في الكواليس، وهي مسألة قد لا تضيف الكثير لمن يتابع الجلستين عبر البث المباشر لهما، اللهم إلا التفاصيل التي لا تظهر في البث المباشر، مما يحصل بعيداً عن الكاميرات.

وهذا التنافس بين الصحافة قد يكشف لك أيضاً كقارئ ذكي أموراً أخرى، من خلال إبراز بعض الصحف لبعض الجوانب، أو الاهتمام بنقطة معينة، أو التقليل من شأن أخرى، وأحياناً قد لا تجد موضوعاً ما طرح ونوقش منشوراً، وهو ما يفتح باباً واسعاً للتساؤلات، قد يطول الصحيفة هذه أو تلك بالانتقاد.

عموماً، التغطية الشاملة لما يدور في «مجلس الشعب» أمر هام، حتى يعرف الشعب ما يتحدث به النواب الذين يمثلونه، وما يقوله أعضاء الشورى الذين يفترض بهم محاولة بيان أنهم مع المواطن وليس ضده، وأيضاً الوزراء وردودهم التي يفترض أنها تمثل الموقف الرسمي من بعض القضايا أو المقترحات أو التشريعات.

شخصياً لفتت انتباهي مادة دأبت صحيفة «الوطن» على نشرها بشكل دائم فيما يتعلق بجلسة مجلس النواب، ورغم أنها مسألة بسيطة جداً، لا تتعدى عملية «الرصد وبالأرقام» إلا أنها يمكن أن تكشف الكثير، ويمكن أن تدفع الناس للنقاش والبحث، وحتى يمكن من خلالها أن تدفع الناخبين للوم مرشحهم البرلماني أو انتقاده.

هناك رصد مثير بالأعداد والصور الشخصية، للنواب الذين يتغيبون عن الجلسة، سواء بعذر أو غيره، وللنواب المتأخرين عن الجلسة منذ بدايتها، أو للخارجين منها والذين لم يكملوها، لكن الرقم الأكثر إثارة بالنسبة إلي هو أسماء النواب وصورهم تحت عنوان «النواب الصامتون في الجلسة».

في الجلسة الأخيرة هناك عدد 15 نائباً، وصفتهم صحيفة «الوطن» بأنهم النواب الصامتون في الجلسة، أي الذين لم يتحدثوا، وهنا لست ممن يحكم مباشرة على ما ينشر دون تدقيق، ودون الانتباه لنقطة هامة جداً معنية بـ «الرصد التاريخي» للأحداث، وما أعنيه هنا، أنه من بين الأسماء نواب سمعنا صوتهم كثيراً في الجلسات، وكانت لهم مواقف مشرفة في بعض القضايا والملفات، ولهم حضورهم الذي لا ينكره الناس، وهنا التساؤل بشأن صمتهم ولماذا لم يتكلموا؟! هل بسبب ضيق الوقت، أو أن الآخرين طرحوا نقاطاً قد تكون مشابهة أو قريبة لما سيطرحون؟! هذه كلها افتراضات قد تصدق بعضها.

لكن بيت القصيد هنا معني ببعض النواب «الصامتين» في الجلسة، والذين يتكرر صمتهم لجلسات عديدة، وبعضها متواصل، حتى إن بعض النواب قد يكون الناس نسوا أسماءهم وأشكالهم، وهو أمر يعد من الأمور الغريبة لو قارناه بما حصل في البرلمان الأول عام 2002، إذ لربما كان الجميع يعرف أسماء النواب الأربعين، لكن ما هو حاصل الآن هو حقيقة تقول بأن هناك نواباً وصلوا البرلمان فكان حديثهم أقل بقليل من حديثهم أثناء الانتخابات وفي مقارهم، بالتالي نسألهم هذا السؤال باسم الناس وبكل براءة: «عسى ما شر يا بعض النواب»؟!