كتبنا في الأسبوع الماضي لمقال يوم الجمعة عن موضوع عدم احترام خصوصية الموتى، وعن الفنان البحريني الجماهيري علي الغرير رحمه الله وفي البداية نود توضيح مسألة هامة للغاية، وهي تأكيدنا بأهمية أن يأخذ الفنان البحريني حقه من ناحية الدعم والتقدير في حياته قبل مماته، وبأننا لسنا ضد مسألة أن لا ينال حقه من التغطية الإعلامية بعد وفاته، إنما نحن ضد استعراض خصوصيات لا تراعي مشاعر أهله وأحبائه.

بكلمات أخرى نحن مع مسألة أن تتم استضافه زملائه المقربين له للحديث عنه، والتطرق إلى النواحي الإنسانية والأخلاقية له من خلال تقارير إعلامية، سواء صحافية أو تلفزيونية أو إذاعية، إنما نحن ضد استغلال مثل هذه المواقف لأجل تصوير أمور شخصية أو من غير استئذان الناس، وليس لها علاقة بمجال رثائه إعلامياً وإبراز سيرته وعطائه ومضايقتهم فلكل مقام مقال، وهناك خيط رفيع جداً بين رثائه إعلامياً وبين تصرفات فردية ليس لها علاقة لا من قريب ولا بعيد بمسألة إظهار محبة الناس له، بل تصنف على أنها انتهاك للخصوصيات، وعدم مراعاة أهل الفقيد.

وعدت البعض أن أخصص مساحة لاستكمال موضوع «عدم احترام خصوصية الموتى وما يحصل من مظاهر غير لائقة خلال العزاء» من خلال نشر بعض المداخلات والملاحظات الهامة التي جاءت كتعقيب على مقالنا الفائت، وأمام تأكيد البعض أنها ازدادت وأن هناك حاجة فعلاً للاهتمام بالتطرق لها وتوعية الناس:

* القارئ علي الزياني: آخر فقرة بالمقال فيما يخص خطباء الجمعة أعجبتني فهناك حاجة لتطوير الخطاب الديني حيث البعض للأسف يتكلمون وكأن الجالسون أمامهم حديثي العهد بالإسلام، هناك خطب خارج قضايا الناس تماماً، والناس تقضي الصلاة وتخرج ولا تتذكر حرفاً واحداً أو كلمة مما قاله الخطيب فهناك تغييب عن الواقع تماماً، رغم أننا نحتاج إلى تناول قضايا هامة تختص بحياة الناس لأن هذا ما يشد ويلفت الانتباه.

* الفنانة سمية الخنة: أود التأكيد على مسألة أن الفنان علي الغرير رحمه الله الذي كان أخاً قريباً لي يستحق كل هذا الاهتمام، بل وأفضل من ذلك بالأخص من ناحية التغطية، وأن يحزن الناس عليه بهذه الطريقة، رغم أن هناك من بالغ لكن إظهار الحزن بهذه الطريقة نوع من الدرس للآخرين، لكن لم يعجبني أن بعض الفنانين استغلوا الوضع في مصالحهم الشخصية، وهذا لا يصح أن يستغل حدث شخص متوفى، وأعتقد أنه خلال هذه المناسبات تتضح حقيقة ما بداخل كل إنسان من مشاعر حزن صادقة تجاه الشخص المتوفي بالإخص، إن كانت هناك ذكريات جميلة تجمعكم بعيداً عن أولئك الشواذ الذين لا يراعون العزاء.

* أحد الزملاء علق: قرأت مقالك هذا الصباح وأنا بالمكتب.. شيء محزن ومؤلم في ذات الوقت المتاجرة بالموتى! لم أتوقع من البعض ممن هم يحسبون على من يمثل المواطن البحريني أن ينشغلوا بزيادة أرصدتهم دون العبرة بالموت وعظاته!

* أم إبراهيم: في الإسلام لا يوجد عزاء فالتعزية بالمقبرة فقط، دون مظاهر ما نراه من أطعمة وإقامة أيام خاصة للعزاء وهناك أشخاص متدينون للغاية يوصون بعدم إقامة عزاء بعد وفاتهم، والمفترض أن الناس تتجه لمجالس العزاء للتعزية والمضي لا للجلوس وتناول الأطعمة، وللأسف الشديد كثير من الناس إذا لم تقومي بذلك قالوا «بخله ومكفخين» وهذه الأيام الناس تهتم بإقامة العزاء في الصالات لمدة ثلاثة أيام، وللأسف لا أحد يجلس فيها غير الأهل والناس تتجه لمنزل المتوفي بعدها! «نؤكد هنا أمام كلامها طبعاً هناك اختلاف شرعي بين العلماء في مسألة إقامة مجالس العزاء».

* الشاعر نبيل عاجان: كلامك عن الغرير رحمه الله قمة في العقلانية ونحن نتأذى من مثل هذه التصرفات، ونحتاج لأقلام واعية تتناولها لتقديم رسائل توعوية لهم لعل البعض يدرك أن تصرفاته تخالف الذوق واللباقة.

* القارئة بنت الكعبي: قبل أن ندخل العزاء نسمع صوت الإزعاج والضوضاء والأحاديث، وكأننا لم ندخل إلى عزاء، وللأسف أصبح حتى العزاء مكان للاستعراض حيث نرى البعض وكل واحدة حقيبتها أكبر من الأخرى، رغم أنه بالإمكان تركها بالسيارة فكلها خمس دقائق ستقدمين واجب العزاء وتمضين، وهناك فتيات يأتون بدون حجاب والشعر يكون قريباً من نظام التسريحة، وهناك من تضع الشيلة على رقبتها وهيئتها لا تتناسب مع أجواء العزاء والحزن.

تذكرنا هنا أمام كلام الأخيرة عن الهبة الجديدة المسماه بمكياج العزاء!! فبعض الفتيات هداهن الله عندما يتوفى لها أحدهم تتجه إلى مركز تجميل لعمل رتوش خاصة بسيطة تزول بعد عدة أيام، كما تقوم وللأسف الشديد بعضهن بعدم مراعاة العزاء من خلال ارتداءها لعباءات لا تتناسب مع أجواء الحزن أو الحضور، وهي متزينة أو ترتدي ذهب أو أكسسوارات عديدة، أو تضع مكياج خفيف جداً وعطورات مع ترك شعرها مفتوحاً دون احترام أجواء العزاء ووصل الأمر بالبعض إلى عمل توزيعات عليها بطاقات تعزية شبيهة بتلك التي تقدم خلال مناسبات الولادة والأفراح «لا نقصد طبعاً هنا توزيعات قرآنية أو كتيبات الأدعية» ولا ندري ماذا تبقى من مظاهر لم تتم بعد حتى يتم تدارك الأمر، وضبط هذه السلوكيات الدخيلة علينا.

* خلاصة القول: إننا بحاجة إلى تجديد وتطوير القضايا التوعوية التي تطرح خلال المجالس واللقاءات، وخطب يوم الجمعة لمناصحة الجيل الناشئ الذي يتلقف جزءاً كبيراً من تربيته وأخلاقه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تحديث سنع وآداب مجالس العزاء، وأهمية احترامها والسير وفق مناهج السنع والأدب والذوق والأخلاق التي تتماشى مع آداب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأنظمتها وبما يتناسب مع متغيرات الحياة وتطورها مع هذا العصر عصر الهواتف الذكية والتكنولوجيا، فلا يعقل أن يكون الخطاب الذي كان يسير وفق منهجية الأجداد في زمن لم تكن هناك فيه هواتف ذكية ولا مواقع تواصل اجتماعي، هو نفسه يكرر عند الجيل الحالي دون تطوير ودون مراعاة الأمور المستجدة التي أخذت توقع المشاكل، وتفسد خصوصية مجالس العزاء وغيرها.