* وردت هذه الفقرة الرائعة في كتاب «لأنك الله» لكاتبه علي الفيفي، يقول فيها: «في وسط الصحراء المظلمة، لا تعلم أين تتوجه، وعدم معرفتك هذه تعني الموت المحتم، لأنك بلا زاد ولا راحلة، وفجأة تجد شعوراً ملحاً يأمرك أن تتجه إلى اتجاه معين، ليس لديك معرفة بالنجوم، وبوصلتك ضائعة، ورفاقك سبقوك! فتتجه إلى ذلك الاتجاه، وبعد تلاعب كثبان الصحراء بك، وإذ بعينيك تلمحان بصيص نور، إنهم رفاقك هناك، في آخر نقطة من الحياة ينتظرونك بلهفة! الآن حدثني عن ذلك الشعور! ما هي المعادلة التي جعلته يبزغ في تلك اللحظة؟ ولماذا جاء؟ وكيف كان دقيقاً إلى هذه الدرجة؟ لقد كان الله في تلك اللحظة يبصر اضطراب الرعب في قلبك، لقد كان يسمع وجيف فؤادك، لقد علم تمثل الموت عطشاً في نفسك، فأذن لوميض داخلي أن يشتعل لتحس بالطريق، وتصل بسلام. ولا تتعلق بحرفية التجربة، فقد لا تكون عشتها، ولكنك ولا شك عشت أنت أو من تعرفه أجواء قريبة من تلك الأجواء، والسؤال الأهم من جميع التفاصيل: من الذي قذف الهداية في روح قلقة، محتاجة إلى بصيص؟ إنه الهادي سبحانه..».

* ما زالت محطات الحياة تعلمك الكثير، وما زالت الأيام تمحص لك العديد من العلاقات الحياتية، فأنت معها في كل يوم تتغير من أجل أن تعيش بسعادة وطمأنينة وراحة بال، ومن أجل أن تتفرغ لما يرضي المولى الكريم. سبحانك يا رب لك في كل وقفة وكل محطة عظة ودروس لا تعد، فتنسج لنا في نفس من أنفاسنا ما يعيننا على قادم الأيام، وما يجعلنا نراجع الكثير من حساباتنا التي مضت، والتي هي بلا شك محط عظة وامتحان.. في محطة ما عليك أن ترفع يدك للكريم المنان وتحمده وتثني عليه، وتدعوه أن يزيل الران من على قلبك، ويطهر نفسك، ويصفي قلبك، ويعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يسخر لك من عباده من يعينك على الخير، وأن يصرف عنك كل من أزعجك ودبر لك السوء في الخفاء.. أنت الآن مطالب أن تكون الصفاء الحقيقي للحياة، وأن لا تمر عليك حوادث الأيام وابتلاءات الحياة مرور الكرام.. فإنما هي امتحان لنفسك أولاً حتى تراجع تلك الفصول التي اعتدت على كتابة سطورها كل يوم.. والتي تأمل بأن تكون منهاج حياة لمن تحب.. إن هم عرفوا كيف يستثمرونها «بحب».

* تحتاج أحياناً أن تبتعد عن كل شيء، وتغير منظومة حياتك، وتغير أسلوب متابعتك للأمور، بل أسلوب تعاملك مع البعض في كل مكان تطأ فيه قدمك.. تحتاج أن تصنع منظومة جديدة غير تلك التي اتبعتها يوماً ما، والتي لربما أضرت بحياتك أكثر من نفعها وأهدرت وقتك فيما لا يرتجى منه الخير.. تحتاج أن تصنع منظومة تعينك على إراحة نفسك من الهموم ومن توترات وقلق الحياة التي ستزداد إن ظلت حياتك على نفس الوتيرة السابقة..! تحتاج أن تبتعد وتختار تلك الأوراق الجميلة التي لم تتغير في حياتك وإن تغيرت معها ظروف العيش، بل ظلت تجمل لحظاتك في كل حين.. عليك أن تختارها لتستمر معها في صنع الأثر وتستبدل تلك الأوراق البالية التي لم يعد لها قيمة في حياتك، لأنها شوهت صورتك الرائعة وأخرت نجاحك الذي رسمته.. عليك أن تبتعد عن تلك الصور القاتمة التي حاولت مرارا وتكرارا أن تغير ألوانها.. ولكنها ازدادت سواداً بأخلاقها المشينة التي تعطيك عسل الكلام، وتترصد من ورائك بسيئ الفعال.. ابتسامة.. من ورائها سموم الأفاعي!

* ما لي أراك تعيش تعيش في غفلة من أمرك وقد ألهتك الحياة عن عظائم الأمور، وبت ترتشف من مياه تلك الواحة الصغيرة التي لم تبصر النور بعد، وفقدت الإحساس بأنوار تلك الواحة الفسيحة المشعة التي يرتادها صناع الخير والنجاح والآثار الخالدة.. فآثارها يمتد إلى ذلك الأفق البعيد، وجميع من ينشدها يعيش في ظل أجواء روحانية جميلة جداً يرون فيها مكانتهم في الآخرة.. وهم ينعمون بالأمن النفسي والسلام الداخلي والثقة بالله عز وجل.. فاحذر من أن تبقى في غفلة تلك الواحة «المظلمة الصغيرة» والتي لن تنقلك إلى ما تبتغيه في الحياة، بل ستكون في قلق دائم وتعلق بأستار الدنيا الفانية. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء» رواه الترمذي.

* علمتني الحياة أن أبقى في بعض الأحيان متفرجاً متأملاً لأحوالها.. فكل مرّ سيمر.. وكل سوء سيصرفه المولى الكريم عاجلاً أم آجلاً.. وكل تدبير يدبره البشر سينكشف بإرادة المولى الكريم.. وستصلك دلالته بإشارات يرسلها لك المولى سبحانه وتعالى في موقف حياتي عابر.. علمتني الحياة أن لا أضيع وقتي في سماع مشكلات البشر وهمومهم وتذمراتهم وشكواهم وانتقاداتهم التي لا تنتهي.. فالبعض إنما جبلت نفسه بأن يكون كمثل المراسل الصحفي ينقل كل ما يدور حوله، ويحلل وينتقد وينقل هموم من حوله.. علمتني الحياة أن أبتعد عن تلك الأصناف التي لا تنفعك جلساتهم ولقاءاتهم بقدر ما تمل نفسك من أقاويلهم الصاخبة المزعجة فنظراتهم السوداوية لا تنظر لبهجة الحياة.. علمتني الحياة أن أضع حداً للعلاقات الزائفة، وأتشبث بالعلاقات الودودة التي يسودها الاحترام والود والوفاء.

* التحدي الكبير الذي تفرضه عليك «الأحاسيس» أن تواصل كتابة أطيافها وصياغة مكنونها، لأنها قد تتكرر ولكن بأسلوب آخر تفرضه عليها المواقف الحياتية المتشعبة.. التحدي الكبير أن تكتب أحياناً ما يريده زميلك أو محبك بخياله أو أسلوب تفكيره، في حين تصوغ أنت مكنون أحاسيسك بمواقف الأيام التي لا بد أن تشبعها من مشاعرك وأحاسيسك الفياضة حتى تعيش فيها بسلام نفسي.. التحدي الكبير أن تستطيع أن تنفس بسطور فصولك الحياتية عن توترات الحياة، وتكون قادراً أن تصنع شخصية قادرة على القرب الأكثر من باب الله الكريم، فأنت أحوج ما تكون إلى هذا القرب فالعمر يمضي وأيامه تتصرم، ولا بد أن تسرع الخطى حتى لا يفوتك سباق الخير.

* ومضة أمل:

هي مجرد أحاسيس غير قابلة للتأويل.. أحاسيس تدفعك للتغيير وتمكين النفس في عمل الخير.