تعود مرة أخرى إيران ونظامها إلى سياسة الاختلال والتوهم ومحاولة إبدائها حسن النوايا مع جاراتها في المنطقة من خلال تغريدة لوزير خارجيتها محمد جواد ظريف أبدى من خلالها «استعداد» بلاده للحوار مع جاراتها، والذي وصفه بحوار «تكاملي» في سبيل استقرار المنطقة وشعوبها.

لا أعرف إن كانت ذاكرة النظام الإيراني ضعيفة أم فاقده لها من الأساس، حيث إن دول الخليج العربي داعية دوماً إلى الحوار والتفاهم الحضاري مع إيران ومد جسور التواصل منذ أمد بعيد، مبدية في هذا الشأن كل حسن النوايا والظنون مع هذا النظام، لعل وعسى أن يتغير أو يتخلى عن سياسته في المنطقة القائمة على التوسع والطمع، ولكن ما حدث أن كل تلك الحوارات السابقة باءت بالفشل الذريع، بل زادت من حدة التوترات بين إيران وجاراتها خاصة السعودية والبحرين والإمارات ووصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية.

والسبب في ذلك هو أن هذا النظام لا يجيد لغة الحوار الحضاري، نعم، هذا هو السبب، فلغة الحوار عند هذا النظام غير «مختلفة» عن أي حوار هدفه التقرب في وجهات النظر ومحاولة درء الشقاق والاختلاف، وصولاً إلى رؤى مشتركة هدفها العيش بسلام واستقرار وتقدم وازدهار، فهذه هي نتائج أي حوارات حضارية تقوم بين الدول القريبة من بعضها البعض جغرافياً، ولكن إيران حتى وإن كانت قريبة جغرافياً منا ولكن نظامها أبعد ما يكون فكرياً عنا وعن دولنا وعن الحوارات الهادفة والبناءة.

إن دعوة جواد ظريف لحوار مع دول الجوار في المنطقة، لا أظنها ستنجح إن استجابت دول المنطقة لهذا الحوار، لأن النظام الإيراني عودنا على فشل أي حوار معه بسبب استمرار سوء سلوكه وعدم رغبته أبداً في تغييره، وهناك أسئلة هامة تدور في فلك «الحوار» الذي ترغب فيه إيران ومن أبرزها، كيف نحاور نظاماً يقوم دستور بلاده على مبدأ تصدير ثورته لدول الجوار، ومحاولة جعل تلك الدول «تابعة» له؟

وكيف نحاور نظام حكم يقوم على تكوين جماعات إرهابية في دول جارة لبلاده، تعمل تلك الجماعات ضد مصالح دولها وتنفذ أجندات النظام الإيراني، الذي يستغل سذاجة عقول البعض في تحويل التبعية لهذا النظام من المذهبية إلى السياسية، كما يحدث الآن في العراق ولبنان واليمن وسوريا؟ وكيف نحاور من يوجه جماعات تابعة له كالحوثي إلى إطلاق الصواريخ باتجاه قبلة المسلمين مكة المكرمة، أو من يستهدف منشآت حيوية أو يهدد سفناً تجارية في مياه الخليج العربي؟

ويبدو أن دعوة النظام الإيراني للحوار مع دول المنطقة جاءت بفعل إحساس هذا النظام بضعفه، وقلة حيلته وهو أنه أمام المجتمع الدولي في هذا الوقت بالذات، حيث يعلم جيداً أنه تحت ضغط دولي كبير، فالعقوبات الأمريكية أتت أُكلها، وأصبح النظام الإيراني غير قادر على مواصلة سياسة «تصدير الثورة»، خصوصاً وأن زمام الأمور بدأت تفلت منه في العراق ولبنان بالذات، اللتين تشهدان انتفاضة شعبية ضده وضد عملائه، ونفس الأمر ينطبق على المستوى الداخلي لإيران، فالشعب هناك ثائر وغاضب ضد نظامه، ووصل لحد مطالباته بإسقاط هذا النظام بسبب سوء أحواله المعيشية التي لا يمكن وصفها.

ومع كل تلك الأمور التي لا تصب في صالح النظام الإيراني، يأتي تصرف آخر أرعن منه، وهو تسببه في إسقاط الطائرة الأوكرانية، وما صاحبه من ابتعاد مزيد من الحلفاء عن هذا النظام، الذي وجد نفسه وحيداً يصارع أمواجاً عاتية تكاد تغرقه، فلجأ إلى بعض من حيله القديمة التي سبق وأن فشل فيها، وهو الحوار مع دول الجوار، فعل وعسى أن تنقذه هذه الدول ليعيد توزيع أوراقه، ويقف مجدداً على رجليه، ليمارس ما يجيد ممارسته دائماً وهو العمل ضد دول الجوار التي يسعى الآن للتحاور معها.