رسم برنامج عمل الحكومة ملامح مرحلة جديدة من العمل الوطني البناء الذي يستهدف تلبية جملة من التطلعات والطموحات الواعدة للنهوض بالمواطن البحريني، لاسيما على الصعيد الاقتصادي والمالي، والذي حرصت الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، من خلاله على توظيف إمكانات وموارد المملكة بالشكل الأمثل الذي يلبي احتياجات المواطنين وأولوياتهم الملحة، عبر سياسات ومبادرات وإجراءات حددت أولوياتها الاستراتيجية في ترسيخ اقتصاد قوي ومتنوع ونظام مالي ونقدي مستقر.
ومن هنا يلاحظ تركيز المحور الاقتصادي والمالي من برنامج عمل الحكومة على توفير الارضية المناسبة لتحقيق معدل نمو اقتصادي حقيقي مرتفع، مع المحافظة على استقرار الأسعار والاستثمار الكامل لعناصر الإنتاج واتخاذ الاجراءات الكفيلة للحد من عجز الميزانية ومعالجة الدين العام.
وقد وضعت الحكومة مجموعة من السياسات الكفيلة بتحقيق معدلات نمو اقتصادي حقيقي ومستدام، تعود فوائده على جميع البحرينيين رغم التحديات المالية التي تواجهها المملكة. حيث تستهدف هذه السياسات والمبادرات تعزيز الاستثمار الحكومي المشترك مع القطاع الخاص في المشاريع التنموية، وزيادة كفاءه وإنتاجية البحرينيين وتعزيز مشاركتهم في سوق العمل، إضافة إلى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع ريادة الأعمال والابتكار والانفتاح.
ومن أجل تحقيق ذلك، منح برنامج الحكومة الأولوية لعدة مبادرات يتم تنفيذها على مدى السنوات الأربع المقبلة، بحيث تسهم في تعزيز البيئة الاستثمارية في المملكة بشكل يجعلها أكثر جذبا للاستثمارات الخليجية والأجنبية، وعلى رأس هذه المبادرات إيجاد بيئة تنظيمية مواتية للأنشطة الصناعية والتجارية، وتحسين بيئة الاعمال والاستثمار عن طريق تطوير التشريعات والقوانين الداعمة لذلك، وتطوير آلية تسجيل وترخيص الشركات وتسهيل الإجراءات المقدمة لإتاحة الفرصة لمزيد من الشركات للاستثمار في المملكة.
وفي مسار متواز ركزت المبادرات الحكومية على تطوير خدمات البنية التحتية للمناطق الصناعية، والسعي لتوفير الأراضي والعمالة لإقامة المشاريع القادرة على توفير الخدمات والمنتجات عالية الجودة وذات قيمة مضافة، وتعزيز الاستثمار الحكومي المشترك مع القطاع الخاص في المشاريع التنموية.
كما اهتمت المبادرات الحكومية التي تضمنها البرنامج بمعالجة واحدة من القضايا الملحة وهي المشاريع العقارية المتعثرة، حيث تعهدت الحكومة من خلال برنامجها بتنظيم قطاع العقارات والعمل مع القطاع الخاص لإعادة هيكلة المشاريع العقارية المتعثرة، وذلك سعيا لوضع الحلول المناسبة لها والإسهام في تطوي رالقطاع العقاري الذي يشكل أحد الأعمدة الاقتصادية الواعدة في المملكة.
ونظرا للأهمية التي يشكلها الاستثمار الأجنبي في تعزيز النمو الاقتصادي للمملكة، فقد وضعت الحكومة نصب عينها تحسين ربط البحرين بالأسواق الإقليمية والدولية، والعمل على زيادة جذب الاستثمار الأجنبي في الأنشطة الاقتصادية التي تساهم في خلق فرص عمل ذات جودة عالية للبحرينيين ويرتكز عملها على المنتجات للتصدير وتضع في الاعتبار محدودية موارد البحرين الطبيعية، إضافة إلى تحسين الإجراءات والأنظمة المتعلقة بالجمارك وإصدار تأشيرات الدخول، وتطوير خدمات الناقلة الوطنية (شركة طيران الخليج) وتوسيع نطاق شبكتها لتعزيز ربط البحرين بالأسواق الإقليمية والدولية.
وقد أولت الحكومة من خلال برنامجها تعزيز التكامل الاقتصادي الخليجي والالتزام بتنفيذ المشاريع المشتركة اهتماما خاصا، يعكس ويؤكد العمق الاستراتيجي للعلاقات البحرينية الخليجية وحرص البحرين المستمر على توسيع أطر التعاون مع أشقائها الخليجيين، إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي على الصعيد العالمي من خلال إبرام الاتفاقيات الاقتصادية التي تعود بالنفع على المملكة، وتعظيم الاستفادة من إتفاقيات التجارة الحرة.
وتأكيد على دور القطاع الخاص كداعم ومحرك لعملية النمو الاقتصادي، فقد حرصت الحكومة على تشجيع ريادة الأعمال من خلال إعداد وتنفيذ برامج لتدريب البحرينيين وتحفيزهم على إقامة المشاريع، وتعزيز الدعم للشركات الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال، وإعداد وتنفيذ برامج داعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمتناهية الصغر في سبيل تطوير أعمالها وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني ، إضافة إلى إنشاء حاضنات الأعمال لدعم الشركات الجديدة من خلال تقديم الخدمات الإدارية والفنية والاستشارية، وتشجيع وتحفيز مؤسسات القطاع الخاص على الدخول في مجال التصدير.
واستكمالا لجهودها في مجال تنويع الاقتصاد المحلي ومصادر الدخل الوطني، جاء برنامج عمل الحكومة باستراتيجية واضحة تهدف إلى تنمية قطاع السياحة والثقافة وزيادة مساهمته في دعم الإيرادات، من خلال تنفيذ استراتيجية وطنية للسياحة والعمل على التوسع في إنشاء المشاريع التي من شأنها جذب السواح وتعزيز مكانة البحرين على الخارطة السياحية والثقافية العالمية.
وعلى ذات الصعيد فإن الحكومة قد أولت صناعة المعارض اهتماما متزايدا، نظرا لما تمثله هذه الصناعة من مورد مهم للدخل وأداة للجذب الاستثماري والسياحي، حيث أكدت الحكومة في برنامجها العمل مع القطاع الخاص لإنشاء مدينة للمعارض، لاستقطاب الفعاليات الدولية الكبرى لصناعة المعارض والاجتماعات والمؤتمرات.
وفي إطار تنمية قطاع الخدمات المالية والمصرفية والتأمين، وتعزيز مكانة البحرين كمركز مالي رائد في المنطقة، تسعى الحكومة من خلال البرنامج إلى العمل على تطوير الصيرفة الإسلامية، وتعزيز الرقابة المالية على القطاع الإسلامي والتقليدي، بما يتفق مع أفضل الممارسات الدولية، وتعزيز سبل الحفاظ على المؤسسات المالية الموجودة، والعمل على استقطاب مؤسسات جديدة، وتعزيز إدارة الأصول والثروات من خلال تطوير وتحديث القوانين واللوائح، إضافة إلى تطوير سوق التأمين بما في ذلك شركات التكافل وإعادة التكافل، والعمل على زيادة الوعي بمنتجات التأمين ومزاياه.
وركز برنامج عمل الحكومة على تطوير أسواق رأس المال من خلال تأسيس بنية تنظيمية متطورة لسوق رأس المال وحركة المعاملات وزيادة إصدارات الصكوك المحلية وتيسير المعاملات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتشجيع طرح الأسهم للاكتتاب العام في المملكة، مع تيسير مشاركة المستثمرين المحليين والخارجيين، وخاصة من دول مجلس التعاون الخليجي.
أما قطاع الصناعة، فقد أولته الحكومة حيزا كبيرا من الاهتمام يتناسب مع طموحها لتعزيز مساهمته في الناتج لإجمالي واستيعاب المزيد من العمالة الوطنية، وذلك من خلال مبادرات تهدف إلى تطوير مختلف القطاعات مثل الصناعات الأساسية والتحويلية في قطاع الألمنيوم والصناعات الغذائية وغيرها من القطاعات التي تساهم في تحقيق الاستفادة القصوى من مزايا البحرين التنافسية.
وفيما يخص قطاع النفط الذي يشكل المساهم الأكبر في إيرادات المملكة، فقد تعهدت الحكومة في برنامجها بتنظيم وتنمية قطاع النفط والغاز والصناعات المرتبطة به من خلال استمرار عمليات الاستكشاف في مختلف أنحاء المملكة، وإعداد الدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية والهندسية؛ بهدف تحديد مواقع لحفر آبار استكشافية. بالإضافة إلى إنشاء مرفأ لاستيراد الغاز الطبيعي المسال وإنشاء خط أنابيب جديد لاستيراد النفط الخام من المملكة العربية السعودية، وزيادة السعة التكريرية لمصفاة شركة نفط البحرين وزيادة نسبة المشتقات النفطية وتوفير الجازولين.
وفي ضوء تراجع أسعار النفط، وضرورة المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي وضبط الدين العام، ستسعى الحكومة إلى إجراء إصلاحات هيكلية تقلل من التعرض لتقلبات أسعار النفط، في ظل تشكيل الإيرادات النفطية حوالي 86 في المائة من عائدات الحكومة بحسب تقديرات عام 2013، وذلك من خلال التركيز على تنويع وتنمية مصادر الإيرادات، مع العمل في الوقت نفسه على ضبط المصروفات العامة. وسيتم تعزيز مشاركة رؤوس الأموال الخاصة في تمويل التنمية الاقتصادية لتخفيف العبء المالي على الموازنة العامة.
كما ركز البرنامج على معالجة الدين العام باعتباره أولوية استراتيجية، وذلك من خلال تحسين إدارة الدين العام والعمل على معالجته عبر سياسات مالية ونقدية أكثر فاعلية، والنظر في مجموعة واسعة من خيارات الإنفاق والإيرادات، لمحاولة تقليل العجز المالي، والعودة تدريجياً إلى تحقيق فوائض مالية مستدامة.
وسعيا نحو زيادة الإيرادات الحكومية وترشيد المصروفات، ستقوم الحكومة وفقا للبرنامج بتعديل رسوم بعض الخدمات الحكومية بما لا يؤثر على القدرة التنافسية لمملكة البحرين لجذب الاستثمارات، وبما لا يمس كذلك الخدمات التي يحصل علىها المواطن كالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها حسبما أكد وزير الإعلام مؤخرا.
كما يشير البرنامج إلى سعي الحكومة نحو تطوير طرق تحصيل الإيرادات الحكومية وزيادة كفاءتها، واعتماد مبادئ توجيهية جديدة لمراجعة واعتماد النفقات الحكومية تشمل نهجاً للموازنة تكون فيه قائمة بصورة أكبر على الأدلة وموجهة نحو تحقيق النتائج من أجل التركيز على النفقات التي تُحدث أعلى درجة من التأثير، وسوف تُحدد الأولويات في كل مراجعة للموازنة وتخضع البرامج عالية التكلفة لمراجعة مستمرة بغية تحديد الفرص لزيادة الكفاءة.
وفي هذا الإطار ستقوم الحكومة كذلك، بتخفيض المصروفات المتكررة للوزارات والجهات الحكومية عن طريق إعادة هيكلة الجهاز الحكومي، والتركيز على تقديم الخدمات الأساسية وإلغاء الخدمات المزدوجة والمكملة وإعادة النظر في هيكلة الوظائف العليا والادارية.
وفي جانب الدعم الحكومي، كشفت الحكومة عن عزمها إعادة توجيه الدعم الحكومي لمصلحة الفئات والقطاعات المستحقة وتحسين أساليب تقييم الاحتياجات بما يضمن توجيه الدعم لمستحقيه.
وخص برنامج عمل الحكومة فئة المتقاعدين بمجموعة من المبادرات التي تستهدف تحسين نظام التقاعد ومعالجة العجز الاكتواري، ومراجعة الخيارات المتعلقة بنظام التقاعد، وإدخال التعديلات اللازمة لكفالة استدامة نظام التقاعد، واتخاذ الإجراءات الكفيلة لمعالجة العجز الاكتواري، وذلك لضمان استمرارية مكتسبات المتقاعدين وتحسينها.
ومن خلال ما سبق، يتضح أن برنامج عمل الحكومة في محوره الاقتصادي والمالي جاء برؤية واضحة ومبادرات قابلة للتطبيق من أجل تنمية الاقتصاد الوطني والإرتقاء بمعدلاته عبر تحسين البيئة الاستثمارية وتنمية القطاعات الصناعية والانتاجية وقطاعات الخدمات المالية والسياحية وغيرها من القطاعات ذات القيمة المضافة، بما يصب في صالح المواطن وينعكس إيجابا في صورة تحسين مستوى معيشته وتوفير فرص العمل والمحافظة على ما مكتسباته وتنميتها.