سؤال طرحته منذ ثلاث سنوات ولا يزال السؤال يفرض نفسه، فهو لا يزال ينشد الجواب، ولا عجب في ذلك فالإجابة على هذا السؤال تحتاج لجرأة وصراحة ومواجهة للنفس، هذا السؤال كان مطروحاً على الأطباء في إحدى مقالاتي بعمود «إشراقة» بجريدة «الوطن» تحت عنوان «أأنت طبيب أم تاجر؟ بتاريخ 11 فبراير 2017، وفي الواقع أن همي الأكبر أن يجيب الأطباء على هذا السؤال حتى لو همساً فهمي أن يصل صداه إلى نفوسهم، والسؤال هو: هل أمارس الطب كعمل إنساني؟ أم أن هذا العمل مجرد مصدر لكسب المال؟ إن مهنة الطب تمتاز عن باقي المهن الأخرى بأنها مهنة إنسانية، فالطبيب يقدم خدمة جليلة للمرضى لتخفيف آلامهم ومداواة جروحهم وإنقاذ أرواحهم في كثير من الأحيان، ولكن في الوقت نفسه هي مهنة مربحة مادياً وهذا لا يعيبها ولكن يكمن العيب عندما تتجرد هذه المهنية من إنسانيتها لتتحول إلى مهنة مادية بحتة هدفها الوحيد تحقيق الأرباح، وهنا تكمن المأساة حقاً. فنجد أن بعض المستشفيات قد شغلت بتحقيق الأرباح وانصرفت عن رسالتها الإنسانية، فهي لا تركز ولا تهتم بجودة الخدمة الطبية التي تقدمها للمريض ولا تهتم بالتعامل الإنساني معه، فأصبحت الخدمة الطبية خدمة استثمارية على حساب حياة وأرواح الناس، وهذا ما أذهلني عندما قرأت خبر رفض إحدى المستشفيات الخاصة علاج وافد آسيوي حيث نقله أصدقاؤه الى هذا المستشفى إثر معاناته من آلام صدرية مفاجئة، ولم يتلقى أي نوع من المساعدة سواء علاجاً أو إسعافات أولية أو حتى نقله لسيارة إسعاف، وكما ورد في وسائل التواصل الاجتماعي أن هذا الوافد قد توفي نتيجة عدم حصوله على العلاج، وأنا هنا لست بصدد مناقشة مدى صحة هذا الخبر ومصداقية نقله، لكننا سنعتبر هذه الحادثة جرس يقرع لينبهنا لأهمية وضع تدابير وضوابط للمستشفيات الخاصة للتعامل مع مثل هذه الحالات. وأقصد هنا الحالات الطارئة، التي يؤدي تأخر علاج المريض أو إلى الوفاة أو تسبب في مضاعفات خطيرة قد تؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للمريض كالإعاقات الناتجة عن الجلطات أو غيرها. إن هذه الحادثة تدفعنا لوضع آليات وأنظمة لكيفية تعامل المستشفيات الخاصة مع الحالات الطارئة التي تشكل خطراً على حياة أو صحة المريض في حالة عدم قدرة المريض على دفع كلفة العلاج.

إن حفلات تخرج كليات الطب ليس كباقي حفلات التخرج، ففيها يعيش الجميع لحظة رهيبة تقشعر لها الأبدان، إنها لحظة قسم الأطباء عند تخرجهم وعندما يكونون على أبواب المستشفيات للبدء في مزاولة التطبيب، كلنا نذكر تلك الكلمات التي ينطق بها الطبيب مقسماً لتكون عهداً يلتزم به طوال حياته حتى لو لم يكن هناك رقيب عليه من البشر، فالرقيب هو الله، والرقيب هو الضمير، وذلك ما يميز الطبيب عن باقي الوظائف، لذا تنشئ كليات الطب طلبتها على هذه القيم والمبادئ وأخلاقيات هذه المهنة النبيلة. كلنا نذكر أن الطبيب عندما يتخرج يقسم بتلك الكلمات «أن يصون حياة الإنسان في كافة أدوارها وفي كل الظروف والأحوال باذلاً وسعىً في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق»، فعجبي كيف يحنث الطبيب في قسمه هذا بعد أن عاش تلك اللحظات الرهيبة لينعقد في القلب التزام أبدي، كيف يرفض إسعاف وعلاج إنسان لأنه لا يملك مبلغاً من المال يدفعه للطبيب مقابل إنقاذه، إن هذا لأمر عظيم!!!! ومن هنا نصل إلى قناعة أن الاعتماد على التزام الطبيب بقسمه لا يكفي للالتزام بأخلاقيات تلك المهنة الإنسانية النبيلة، فلا بد من وضع تشريعات وضوابط تنظم كيفية التعامل مع حالات الطوارئ في المستشفيات الخاصة.

وكلنا نذكر القرار الذي أصدره الفريق طبيب محمد بن عبدالله آل خليفة رئيس المجلس الأعلى للصحة والمنشور في الجريدة الرسمية برقم 59 لسنة 2019 بشأن تحديد التزامات المستشفيات في نظام خدمات مركز الإسعاف الوطني للحالات الطارئة، نص في مادته الثانية على أن تلتزم المستشفيات بالقيام بالآتي:

1- استقبال وعلاج المريض الذي تم اسعافه في قسم الطوارئ ولا يجوز رفض استقبال أي حالة طارئة ينقلها الإسعاف الوطني.

2- نقل الحالات الطارئة من أقسام الطوارئ إلى المستشفى المتخصص بعد استقرار الحالة وفقاً لنظام التحويل بين مقدمي الخدمات الصحية.

وهذا القرار قرار صائب ولصالح المريض إذ يوفر الخدمة الطبية للحالات الطارئة في أسرع وقت ممكن. وقد استوقفتني تجربة في بعض الدول العربية في هذا المجال، حيث يكون العلاج مجاناً للحالات المرضية أول ثمانية وأربعين ساعة في مستشفيات القطاع الخاص، وتقع العقوبة على من يخالف هذه القرار إما بالوقف أو الغلق أو غيرها من العقوبات. وفي تقديري أن هذا القرار فيه جانب كبير من الصحة، ويحمي حياة المرضى، وفي تقديري أننا بحاجة لمزيد من الدراسة للوصول إلى تشريعات تنظم استقبال الحالات الطارئة في المستشفيات الخاصة في سبيل حماية أرواح الناس... ودمتم أبناء قومي سالمين.