المقابلة التي أجرتها إحدى الفضائيات السوسة أخيراً مع أمين عام «حزب إيران في لبنان» كان الهدف منها واضحاً وهو المشاركة في عملية «تأليه» قاسم سليماني الذي قتلته القوات الأمريكية في العراق. وما طريقة تحدث نصر الله عند الحديث عنه والعلاقة به ودوره إلا الدليل على ذلك.

حسن نصر الله افتعل ذرف الدموع وهو يروي موقفاً لا منطقياً قال إنه مر به. قال إنه كان جالساً أثناء تعقيبات الصلاة فتخيل أن ملك الموت جاء ليخيره بين قبض روح سليماني أو قبض روحه وقال له إن الله سبحانه وتعالى أمره بأن يأتيه ويسأله عن رأيه وخياره! فأجاب بأن القرار هو أن يقبض روحه هو ويترك سليماني ليواصل مهمته!

توظيف العواطف والدموع في مثل هذه المواقف يصنف في باب أسلوب المخادعة، وفي مثل هذا الموقف تحديداً الغرض منه هو المبالغة في شأن ودور سليماني والترويج لفكرة أن الولايات المتحدة ارتكبت جناية لا تغتفر وينبغي من كل إيراني وكل مؤيد للنظام وكل متعاطف معه أن يعمل على الانتقام له، فهو الرجل الذي لا يعوض ويساوي كل أمريكا!

لكن هذا الذي قاله نصر الله وقاله قبله وبعده مسؤولو النظام الإيراني يفتح على النظام باباً هو في غنى عنه، فمثل هذا التعظيم لشخص سليماني لا يمكن أن ينبع من فراغ ولا تفسير له سوى أنه كان يقوم بعمل خارق في العراق وسوريا ولبنان واليمن وربما في غيرها من الدول وأن هذا الدور يصعب على غيره القيام به.. وبما أن في هذا خسارة كبيرة للنظام الإيراني فإن على كل أتباعه أن يعملوا على تأليهه ويشاركوا في الانتقام له.

المبالغة في الحديث عن سليماني اعتراف خطير ما كان ينبغي من النظام الإيراني التورط فيه، حيث العالم فهم من ذلك أن هذا الشخص كان يقوم بأدوار خطيرة بغية إخضاع تلك الدول لإيران. ولأن هذا صحيح فإنه يعتبر اعترافاً يؤكد عدم قدرة النظام على تقدير الأمور ويصنف في باب الاعترافات المجانية.

عملية تأليه سليماني لن تتوقف عند دموع حسن نصر الله والقصة التي رواها والتي لو أتى بها غيره لصدرت فتوى من النظام بتكفيره، وهي لن تتوقف عند تصريحات مسؤولي النظام والمهرجانات الخطابية، فالنظام الإيراني ينظر إلى ما حصل لسليماني على أنه فرصة عليه أن يستفيد منها ويوظفها بواسطة العواطف والدموع والشعارات في جعل البسطاء يتخذون موقفاً سالباً من الولايات المتحدة ويجهرون بالعداء لها ولكل من يعتبرونه في خانتها.

الذين تابعوا كلمة حسن نصر الله بعد مقتل سليماني لا بد أنهم يتذكرون أنه عمد إلى مقارنة نهايته مع مقاتل بعض أهل البيت الكرام حيث قال إنه بسبب حب سليماني لأهل البيت وارتباطه بهم وتقديسه لهم وجد مقطوع الرأس كما الإمام الحسين عليه السلام ومقطوع اليدين كما أخيه العباس عليه السلام، وهو كلام لا يختلف اثنان على أنه يدخل في باب السعي إلى جعل قبر سليماني مزاراً.

نهاية سليماني كانت متوقعة، وهو لو لم يمت بالصواريخ الأمريكية لمات بغيرها من الأسلحة، فسليماني لم يكن سائحاً في العراق ولا زائراً للعتبات المقدسة وإنما كان في مهمة سرية أنهى جزءاً منها في دمشق وعمد إلى إكمالها في بغداد، وكان مرصوداً، وهو أمر طبيعي في حال شخص مثله ينفذ «مهامَّ لا يستطيع غيره القيام بها» ويمكن بقتله تعطيل مشروع إيران في العراق وفي كل تلك الدول.

لا أعرف كيف تعامل النظام الإيراني مع الأخبار التي تحدثت عن تورط عناصر من الحرس الثوري في توفير معلومات لأمريكا تسهل اغتيال سليماني.