مثل الإعلان عن وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لحظة حزينة في مملكة البحرين قيادة وشعبًا وكيف لا وهو يرحمه الله احتل مكانة كبيرة في قلوب جميع أبناء المملكة، فجلالته لم يكن فقط قائدًا لدولة تربطها مع المملكة أوثق العلاقات على مر التاريخ، بل مثلت مواقفه التاريخية الداعمة لمملكة البحرين نقاطا فاصلة في التاريخ فنصر الحق وأزهق الباطل وحفظ للمملكة أمنها واستقرارها فجزاه الله عن مملكة البحرين خير الجزاء.
إن المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبد الله بن عبد العزيز كان محبًا للبحرين وأهلها وظهر هذا الحب في مواقف كثيرة لا تحصى، ولو تتبعنا تلك المواقف خلال فترة توليه أمانة الحكم منذ العام 2005 سنجد أن أبرزها كان الزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبدالله إلى مملكة البحرين يومي 18 و19 أبريل عام 2010، عندما إلتحف بالعلم البحريني وعرض بالسيف الأجرب مع شقيقه جلالة الملك المفدى الذي إلتحف بالعلم السعودي، ليؤكدا معا على رسالة الوحدة والشراكة الثابتة.
وكانت كلمات خادم الحرمين الشريفين - رحمه الله - قوية في دلالتها، حين أكد في كلمته على وحدة شعبَي البحرين والسعودية، وأن ما يصونها هو روابط الدين والتاريخ والمصير المشترك، وقال مخاطبا جلالة الملك المفدى والشعب البحريني: "تأتي زيارتنا هذه لا لتضيف جديدا، بل لتقول للآخر إننا وطن وشعب واحد".
كما كانت وقفة خادم الحرمين الشريفين – طيب الله ثراه - الخالدة مع مملكة البحرين في مواجهة مخططات الفتنة التي أرادت السوء للمملكة فرد الله سبحانه وتعالى كيدها في نحرها، وكان لجهود الملك عبد الله وحكمته الدور البارز في هذا الإطار حيث عمل على حشد الموقف الخليجي لمؤازرة البحرين لمواجهة كل ما يهدد أمنها واستقرارها، والدفع بتوجيه قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت العامة والحيوية، والتصدي للمؤامرات الدولية التي أرادت النيل من المملكة، وأعلنت المملكة العربية السعودية منذ اللحظات الأولى للأزمة أنها تعتبر أن أمن البحرين يشكل جزءا أساسيا من أمنها.
كما قاد ودعم – طيب الله ثراه - مشروع التنمية الخليجي الذي وافقت عليه دول مجلس التعاون بإطلاق مشروع مارشال خليجي لدعم مشاريع التنمية والاستقرار في كل من مملكة البحرين وسلطنة عمان بموازنة تبلغ 20 مليار دولار على مدى عشر سنوات، لتأكيد مفهوم أن النجاح في خطط التنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة يشكل مفتاحا جوهريا لتحقيق الاستقرار الحضاري والأمن الاجتماعي.
وروى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء وقائع الموقف السعودي التاريخي في دعم مملكة البحرين إبان أزمة فبراير 2011 في حديث إلى جريدة "السياسة" الكويتية بقوله: "إننا لن ننسى فضل إخواننا في مجلس التعاون الخليجي الذين ساعدونا على تخطي هذه الأزمة، وأخص بالذكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي قابلته لأشرح له ما يجري ولطلب العون ضمن اتفاقيات مجلس التعاون فقال لي: (انني كنت في انتظاركم.. لماذا تأخرتم؟).. فالملك عبدالله هو رجل العون والشهامة".
كما كان من أحدث المواقف التي أظهرت عمق العلاقات الأخوية التي ربطت بين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه و الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إطلاق الملك عبد الله على الجسر الجديد الذي سيربط مملكة البحرين بشقيقتها المملكة العربية السعودية ضمن مشروع سكك حديد الخليج اسم "جسر الملك حمد" تقديرًا لدور جلالة العاهل المفدى في توطيد العلاقات الثنائية والخليجية، كما خص الملك عبد الله عاهل البحرين بحضور افتتاح مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود لأمن الحدود.
ولا شك أن العلاقات البحرينية السعودية اكتسبت أبعادا جديدة ومهمة في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه و الملك الراحل وتشعبت العلاقات لتشمل جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية ..إلخ، فعلى الصعيد السياسي شهدت العلاقات بين البلدين قدراً كبيراً من التنسيق في المواقف من القضايا الإقليمية والدولية التي يتم تداولها في مؤتمرات قمم مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية.
وتنظر البحرين إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها الشقيقة الكبرى، وبمثابة العمق الذي لا غنى ولا بديل عنه في مختلف الظروف، ليس ذلك فحسب، بل تعدها العمود الفقري والأساسي للأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وهو ما أثبتته مختلف التطورات والتحديات التي مرت بها المنطقة. كما تنظر البحرين، ومن منطلق استراتيجي، إلى السعودية من منطلق دورها ومكانتها المؤثرة في العالم، وكذلك من زاوية ما تلعبه عربيًا ودوليًا في السياسات الإقليمية والدولية، حيث تسهم بما عرفت به سياساتها من رجاحة في حل العديد من الإشكالات بين الأقطار العربية والإسلامية.
على الجانب الآخر تنظر المملكة العربية السعودية إلى البحرين باعتبارها بوابة الخليج العربي الشرقية والسياج الشرقي للمملكة لذا تحرص القيادتان في كلا البلدين على دوام التواصل والتشاور والتنسيق المشترك ويتضح ذلك من تعدد الزيارات بين المسؤولين في كلا البلدين على مختلف المستويات ومن وحدة المواقف تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية.
وعلى المستوى الاقتصادي فإن العلاقات تشعبت وترابطت، فالعلاقات الاقتصادية أصبحت أحد أبرز المجالات التي تعكس عمق وقوة العلاقة الخاصة بين البحرين والمملكة العربية السعودية، حتى إنه يمكن القول إن التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما يعد نموذجًا يحتذى به في العلاقات بين الدول، فالمملكة العربية السعودية تأتي في مقدمة الشركاء التجاريين للبحرين من بين الدول العربية والخليجية، فتوسع ضخ النفط من السعودية إلى البحرين حيث تقوم المنامة بتحويله إلى منتجات نهائية وبيعه في السوق العالمية.، كما أن المملكة العربية السعودية تأتي في المرتبة الأولى من حيث التدفقات والاستثمارات المباشرة في البحرين.
وأصبحت المملكة العربية السعودية الشريك التجاري الأول للبحرين حيث تجاوزت الاستثمارات السعودية في المملكة نحو 13 مليار ريال سعودي، فيما بلغ عدد الشركات الفاعلة التي فيها استثمار سعودي في البحرين نحو 315 شركة، بينما بلغ عدد الشركات السعودية العاملة والمسجلة في البحرين نحو 43 شركة، وتوجد نحو 896 شركة من الشركات السعودية المساهمة في مملكة البحرين التي تعمل في مجالات السفر، الشحن، التجارة، الهندسة، وغيرها من المجالات.
وقد كان لتوجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه و خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دور بارز في تعزيز ودعم هذا التعاون الذي جسدته المشروعات المشتركة وتفعيل سبل تنمية التبادل التجاري والعمل على إزالة المعوقات التي تواجه العمل الاقتصادي وتسهيل انتقال رؤوس الأموال بين البلدين مما ساهم في تعدد المشروعات الاقتصادية المشتركة بين البلدين الشقيقين.
وبالنسبة للجوانب الاجتماعية زاد الترابط التاريخي بين العوائل البحرينية ونظيرتها السعودية، فالبلدان مرتبطان بجسر الملك فهد الذي كان له دور كبير في توطيد هذه العلاقات، ونتيجة التحسينات على الجسر خلال سنوات حكم الملك عبد الله أصبح الترابط والتواصل أسرع وبشكل يومي.
إن الملك عبد الله بن عبد العزيز وكما كان محبًا لمملكة البحرين فقد كان محبًا لكافة دول الخليج حيث أراد - يرحمه الله – أن يوحد جميع أبناء الخليج العربي في كيان واحد، فأطلق مبادرته بانتقال مجلس التعاون الخليجي من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد حتى يكون قادرًا على مجابهة التحديات الهائلة التي تحيق بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
كما قام قبل شهور من وفاته بتصفية الأجواء الخليجية عن طريق اتفاق الرياض واتفاق الرياض التكميلي والذي وضع الأمور في نصابها وأسهم في عودة العلاقات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليختتم مسيرته الزاهرة بهذا العمل المجيد.
إن عزاء المملكة الوحيد في وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز هو أن خلفه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه لا يقل حبًا للمملكة قيادة وشعبًا عن الملك الراحل وهو دائما ينظر للعلاقات البحرينية السعودية كعلاقات من نوع خاص فهي علاقة لا تنفصم عراها وهي قوية صلبة يدعمها تاريخ طويل وتزداد يوما بعد يوم رسوخاً وصلابة وعمقاً بفضل حنكة قيادتي البلدين وما يجمع شعبي المملكتين من رؤى تجمع وتعزز وتطور وتخدم العلاقات وتدفع بها إلى الأمام تشعرنا دوماً بالعمق الإستراتيجي لهذه الروابط والعلاقات الوطيدة والأبدية وبأننا في وطن واحد.
رحم الله الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي وإن غاب عنا بجسده، ستظل مواقفه في خدمة قضايا وطنه وأمته العربية والإسلامية خالدة في القلوب لا تنسى، وسيظل له مكانة خاصة في قلوب أبناء البحرين الذين حفروا صوره في قلوبهم قبل أن يفردوا لها أماكن خاصة في منازلهم وميادينهم العامة حبًا وتقديرًا لجلالته.
واليوم إذ تدمع العيون والقلوب لفراق ملك عظيم فإننا لا نملك إلا الدعاء لجلالته .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.