في المقالات السابقة، كنا تناولنا الجوانب العملية في الموضوعات القانونية، وسننحى في هذا المقال إلى الجانب العلمي النظري للقواعد القانونية باعتبارها أهم الموضوعات في القانون العام، وسوف نتناول تعريف القواعد القانونية وخصائصها وعلاقتها بالروابط الإنسانية وأوامر الدين ونواهيه.

فالقاعدة القانونية هي القاعدة التي يجب الالتزام بتطبيقها، وتساهم في جعل النص القانوني حيز التنفيذ، وتعرف أيضاً بأنها التزام الأفراد بنظام سلوكي ثابت يعتمد على قاعدة قانونية وتشريعية، وفي حال مخالفة عنصر من عناصرها، أو عدم تطبيقها بشكل صحيح يلتزم القانون بإيقاع عقوبة قانونية على كل فرد لا يتقيد بالنص القانوني الثابت والتعريف الأعم لها أنها قاعدة عامة مجردة تحكم سلوك المجتمع.

أما خصائص القاعدة القانونية فهي قاعدة اجتماعية وعامة ومجردة وملزمة، فالقاعدة القانونية اجتماعية إذ إن الهدف منها تنظيم العلاقات الناشئة عن تعايش أكثر من شخص في مجتمع على قدر من التنظيم.



وفى سبيل تحقيق أهدافه يوجه القانون خطابه إلى الأشخاص "الطبيعية والمعنوية" بما يفيد اقتضاءه أن تسير تلك العلاقات في حدود صوره معينه فإن حدث عن تلك الصورة مخالفة للقاعدة القانونية يتعين على ذلك توقيع الجزاء.

فالقانون لا يقر العدوان مثلاً وتحقيقاً لهذا المبدأ صاغ قواعد متعددة منها "أن كل من ارتكب خطأ ترتب عليه الإضرار بالغير التزم بتعويض هذا الغير عما لحقه من أضرار. كما أنه كل من قتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار والترصد يعاقب بالإعدام". القاعدة القانونية قاعدة تقويمية فهي تستهدف توجيه سلوك الأفراد نحو أنماط محددة، فإذا تحقق التطابق بين السلوك ومضمون القاعدة القانونية تحققت غاية القانون، وإذا لم يتحقق التطابق تكفل الجزاء بزجر المخالف حتى لا يعود وردع غيره من إتيان ذات المخالفة.

أما عمومية القاعدة القانونية، يقصد بها أن القاعدة القانونية توجه خطابها إلى كافة الأشخاص الذين تتوافر فيهم شروط انطباقها، فهي لا تخاطب فرداً بعينه أو مجموعة من الأفراد المعينين بذواتهم وتطبق على كل شخص يوجد في ذات الظروف التي تحكمها القاعدة القانونية وتتوافر في شخصه شروط تطبيقها، فمثلاً يحدد القانون سن الرشد ومفاد هذه القاعدة أن ناقص الأهلية إذا أجرى بعض التصرفات التي تبلغ حداً من الخطورة كالبيع مثلاً، فإن هذا التصرف قابل للإبطال في حين تقع ذات التصرفات صحيحه إذا قام بها الولي أو الوصي لحساب ناقص الأهلية كما تحقق صفة العمومية إذا انصرف خطاب القاعدة القانونية إلى أفراد طائفة محددة من بين طوائف المجتمع مثل تلك القوانين المنظمة لمهنه المحاماة والتجارة، حيث نجد أن صفة العمومية قائمة طالما أن خطاب القانون موجه إلى من توافرت فيه شروط معينة أو أوصاف محددة وليس موجهاً إلى شخص بعينه أو أشخاص محددين بذاتهم، أما إلزامية القاعدة القانونية باعتبارها وسيلة الانضباط في تسيير الحياه الاجتماعية، فالإنسان في دائرة النشاط المالي أو في وجوده في نطاق نظم قانونية تنظم علاقاته بأفراد أسرته يجب أن يخضع عند مخالفته القواعد القانونية لرادع محسوس يصيبه في جسده أو في حريته أو في ماله، وهذا هو الهدف في تحقيق الجزاء.

ونجد أن فكرة الجزاء صاحبت فكرة القانون منذ مولده في صورة الأعراف السائدة في المجتمعات البدائية والقبلية، وقد تطور أمره إلى حد كبير من مفهومه البدائي حتى معناه الحديث وتستهدف العقوبة أساساً الردع، نظراً لأن ما ارتكبه الفاعل يعد إخلالاً بأمن المجتمع وسلامته.

إن العلاقة بين القاعدة القانونية والروابط الإنسانية ترتبط مباشرة بقواعد الأخلاق، حيث إن للقاعدة القانونية جزاء لمن يخالفها، ويتم تطبيق هذا الجزاء وتوقيعه من السلطة العامة ويكون هذا الجزاء مادياً كالحبس أو الغرامة أو الحجز على الأموال، أما الجزاء في القاعدة الأخلاقية فيكون معنوياً ولا تباشره السلطة العامة بل ينبع من ضمير المخالف نفسه، وقد يكون الجزاء خارجياً ويتمثل في رفض المجتمع لسلوك الشخص المخالف.

كما أن القاعدة القانونية تتسم بالانضباط والوضوح حتى يمكن معرفتها وتطبيقها، أما القاعدة الأخلاقية فهي غير محددة أو منضبطة لأنها ليست سوى أحاسيس داخلية لدى الأفراد، وقد لا تتفق هذه الأحاسيس الداخلية مع المبادئ والأخلاق، أما علاقتها بالدين فإن القاعدة الدينية منزلة ومصدرها القرآن والسنة النبوية الصحيحة ومصادر الشريعة الأخرى، أما القاعدة القانونية فإن مصدرها السلطة العامة (السلطة التشريعية)، ومن حيث نطاق التطبيق فإن القاعدة القانونية إقليمية المنشأ، أما القواعد الدينية فإنها موجهة للناس كافة.

المحامي بندر بن شمال الدوسري