كتب لي أحدهم (خاطري يوم تكتبين عن البلطجة من الطرف الآخر) ويقصد السنة، وأجيبه إن كانت البصيرة عمياء فلن يرى البصر الشمس في رابعة النهار. فقد أدنت وسأدين كل مرة، كل ممارسة عنف، من أي طرف أهلي أو رسمي، ولا يمكن أن أقف معه، وأدنت تعليق المشانق في إحدى المسيرات السنية، وأدنت ممارسة العنف اللفظي على وسائل التواصل، وأدنت الاعتداء على المحلات التجارية، ليس في المرة الأخيرة فحسب كما لمح بعض المرضى، إنما لي مقال سابق حول هذا الموضوع، ولكن كما قلت حين تعمى القلوب فإن العيون لا ترى إلا ما تشتهي وتصد عن ما لا تشتهي، شفانا الله وإياكم من عمى القلوب والبصيرة. ما حدث في دوار ألبا ليلة أول أمس عبارة عن ردات فعل مرفوضة ومدانة ولابد من وقفها، وذلك بوقف الفعل الذي قاد إليها أولاً. علينا أن نقر أن تلك ردود أفعال لن تخف وربما ستزيد لأن الفعل الأولي لم يدن من قبل أبناء منطقته أو من قادته أو من صحافته منذ البداية، لقد سكتم وسكتم وسكتم وتجاهلتم بل وأنكرتم، إلى أن وصلنا إلى عبوات ناسفة أدانها العالم أجمع فاضطررتم لإدانتها الآن وهذه هي الأزمة، سكوتكم هو الأزمة, صمتكم هو السبب، إنكاركم هو الفعل الذي قاد لردة الفعل المرفوضة وغير المقبولة، وكان بالإمكان تفاديها لو كنا نقف كلنا كبحرينيين على أرضية مشتركة واحدة على الأقل وهي الوقوف في وجه المولوتوف. الأزمة أننا لا نقبل ردات الفعل وندينها ولكن غيرنا لم يدن الفعل وسكت عنه وأنكره وتجاهله، فشكل هذا التجاهل والإنكار استفزازاً أكبر دفع باتجاه ردات الفعل فساهم ذلك الصمت والإنكار -من حيث يدري أو لا يدري- بردات تلك الأفعال. إن كنا معنيين بإعادة لحمة الصف الوطني والوحدة الوطنية، فلابد من إعادة الأمن والأمان أولاً من قبل أبناء المناطق قبل أن يكون من قبل رجال الأمن، لابد من قيام حملة وطنية مشتركة عنوانها واحد وهي لا للمولوتوف، لابد أن يتصدى أبناء المنطقة بأنفسهم للمولوتوف. الطريقة الوحيدة لتجاوز الأزمة الأمنية هي أن تقوم القرى بأهلها بأبنائها بمنع الجماعات الإرهابية، اللحمة الوطنية يجب أن تقف على أرضية مشتركة حتى تدعم هذه اللحمة، وهي أرضية شجب المولوتوف والحرق وقطع الطرق. كل الجهود الحالية سواء منها الأهلية أو الرسمية والتي تبذل فيما يسمى بإعادة اللحمة الوطنية جهود عبثية، هي إبراء ذمة في بعض حالاتها، وبعضها الآخر محاولات حسنة النية لكنها لا ترقى إلى الجدية اللازمة، لذلك نتمنى أن توفروا أية ميزانية موجودة لدى أي وزارة مخصصة لهذا الغرض والتريث في صرفها حتى نتأكد من جدواها. اللحمة الوطنية تحتاج لبيئة وأرضية يقف عليها الاثنان ولا يختلفان، ولا تحتاج لإعلانات وأغنية أو زيارات مجالس أو حفلات ترفيهية، فكل هذه الجهود تنسف مساء كل يوم مع كل زجاجة مولوتوف ومع كل عبوة ناسفة ومع كل أداة قتل ترمى على رجال الأمن وعلى المارة وعلى الناس، لابد أن تقرأ ردات الفعل على أنها جاءت بعد هذه الأفعال لا قبلها، فإن أردنا منع ردات الفعل لابد من وقف الفعل أولاً. إنكم تحرقون قلوبنا مع كل جمرة تسقط على أرض البحرين، تلك النيران تحرق أفئدتنا إنها أمنا تلك التي تحرقونها. بل إن اللحمة الوطنية تنسف صباح كل يوم مع كل خطاب صحافي أو بيان تعمى عينه عن الحرق والقتل المسائي فلا يرى غير آثار مسيل الدموع ولا يرى دخان حرائق المولوتوف والحاويات والإطارات وإصابات رجال الأمن، وهي إصابات يومية وحرائق وتعطيل مصالح ومناطق أصبحت كالخرائب كلها يعيشها أهل البحرين ويرونها بعيونهم المجردة، في حين لا ترى الوفاق وصحيفتها غير مسيل الدموع وغير الاعتداء على أحد المحلات التجارية!!! والنتيجة أن الاستفزاز تزيد حدته وتتصاعد ردات الفعل على الأفعال الأولية بدلاً من أن تعالج. اللحمة الوطنية تنسف يومياً مع كل خطاب ديني مليء بالحقد والكره وبالبغضاء وبدعوى السحق والمحق. في ظل هذا التعامي المتعمد مع سبق الإصرار والترصد عن العنف والنظر فقط إلى ردات الفعل لا الفعل، فإن الحديث عن اللحمة الوطنية يعد استهانة بالعقل واستغفالاً. وقف العنف أولاً وثانياً وأخيراً من قبل الجميع هو الوسيلة الوحيدة والأولية لأي جامع ممكن أن يجمع أهل البحرين مع بعضهم البعض، فهل هذا مستحيل؟ لن يجتمع أهل البحرين ما لم يرفع الكل شعاراً لا للمولوتوف لا للتفجير لا للحرق، فقط لا غير لنقف على هذه المشتركات فقط، فإن اجتمع أهل البحرين عليها فإننا نكون وجدنا أول أرضية مشتركة تجمعنا، وسترون البحرين كلها تقف في وجه البادئ بالاعتداء على أي طرف كان، هذا ليس تبريراً لردات الفعل فهي مرفوضة ومدانة وخطرة، ولكن الفعل أخطر ولا أحد يصده غير رجال الأمن، لذلك لنوقف كلنا كبحرينيين الفعل أولاً.