^   ليس دقيقاً إطلاق مصطلح الدولة الرخوة لوصف الحالة التي تمر بها الدولة البحرينية كما يحاول البعض الترويج له الآن، لسبب أساسي وهو أن هناك مصالح من وراء ربط مفهوم الدولة الرخوة بالوضع السياسي في البلاد لتشكيل اتجاه لدى الرأي العام بضرورة محاربة الدولة وليس السعي نحو إصلاحها وتقويمها. الدولة الرخوة كمفهوم عندما ابتكره عالم الاجتماع السويدي المعروف جنار ميردال مطلع السبعينيات الماضية كان المقصود بها باختصار تلك التي ينتشر فيها الفساد في مختلف مؤسسات الدولة، ولا تطبق القوانين ولا يتم احترامها، وسبب هذه الحالة طبعاً وجود مجموعة من المصالح لدى فئة معينة تستفيد من هذه الحالة في كسب الثروة وزيادة النفوذ. أيضاً القوانين في الدولة الرخوة يتم تكييفها بما يتوافق مع مصالح النخبة الحاكمة وليست وفقاً للمصلحة العامة التي أسست القوانين من أجلها. نفهم جيداً أن هناك شعوراً عاماً لدى الرأي العام بأن الدولة وكأنها وصلت إلى مرحلة ابتدائية من مراحل الدولة الرخوة، وقد تصل إلى درجة أكبر قريباً. ولكنه تحليل وتقييم غير دقيق تماماً، بسبب وجود رغبة مشتركة لدى النخبة الحاكمة ولدى القواعد الجماهيرية بضرورة الإصلاح واستمراره. وما دامت هذه الرغبة موجودة وتتحقق بمرور الوقت سواءً كانت بسرعة أو ببطء فإن النتيجة لن تكون دولة رخوة لأن الإصلاح السياسي لا يتحقق بين ليلة وضحاها، وكذلك الحال بالنسبة لتطبيق القوانين والالتزام بها وتفعيلها، لأنها ثقافة يمكن تحقيقها عبر سنوات طويلة. والإصلاح السياسي نقيض تام لمفهوم وحيثيات الدولة الرخوة، وضمن هذا السياق يمكن أن نفهم جيداً التصريحات التي صدرت الأيام القليلة الماضية من قبل وزير الداخلية وكذلك وزير الخارجية بشأن بعض المحاولات الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد باسم القانون الدولي، وباسم الإنسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. إلخ. مثل هذه التصريحات يمكن أن تساهم في تعزيز الشعور لدى المواطن بأن دولته ليست رخوة البتة، وإنما هي دولة تسعى لأن تشكّل تجربتها السياسية والديمقراطية بما تراه مناسباً في ضوء الاستفادة من أفضل الممارسات من التجارب الإنسانية المتعددة. والأهم من ذلك أن تتبع مثل هذه التصريحات مجموعة من الأفعال، لأن الرأي العام لا ينتظر التصريحات فقط، بقدر ما ينتظر أفعالاً حقيقية قادرة على إحداث التغيير وحسم مسارات الصراع. فالتصريحات يمكن أن تكون للاستهلاك الإعلامي، وقد لا تعكس اتجاهات حقيقية لدى الدولة بشأن التعامل مع بعض القضايا السياسية التي يجب إنهاء حالتها العالقة.