المهندس فادي الشيخ

[email protected]

أزمة المناخ والاحتباس الحراري التي تؤرق الكرة الأرضية منذ سنوات، في طريقها إلى أن تتحول إلى كارثة حقيقية في ظرف أعوام معدودة ما لم تتحرك الدول والأقاليم فرادى وجماعات لإحداث ثورة صديقة للبيئة في عالم البناء والتشييد لتشمل العقارات الذكية وتجديد المباني القديمة والمتهالكة منها.



بحسب آخر إحصائيات المجلس العالمي للمباني الخضراء، فإن المباني التقليدية والأعمال الإنشائية مسؤولة عن ما نسبته 39% من انبعاثات الطاقة الضارة حول العالم، وتستهلك المشاريع الإسكانية العادية ما يتراوح بين 60 إلى 70% من طاقة الكهرباء والماء، مما يحتم على الجميع إيجاد بدائل بناء وتشييد صديقة للبيئة قادرة على تحقيق انبعاثات كربونية "صفرية" في أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان.

رغم إدراك مملكة البحرين منذ فترة ليست بالقصيرة بأهمية التحول إلى الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة وتبني مجموعة من الممارسات التي تؤدي إلى كفاءة في استخدام الموارد من طاقة ومياه، إلا أن تلك الجهود ماتزال تبذل على استحياء، مع التأخر في إصدار دليل المباني الخضراء وعدم إلزاميته في تحسين أداء المباني وخفض استهلاك الطاقة والمياه والموارد وتحسين الصحة العامة للسكان.

أبعاد الاستفادة الإيجابية من نظم المباني الخضراء تتخطى ترشيد استهلاك الطاقة لتشمل كذلك تقليل التأثيرات الضارة على صحة الإنسان من خلال الاختيار الأمثل لموقع البناء وعمليات التصميم، البناء، التشغيل والصيانة، وصولاً إلى بناء مدن تتوفر فيها كافة أشكال رفاهية العيش ومقومات الراحة والسلامة، مع إقامة عقارات ذكية في التصميم تحافظ على جودة الهواء وتوفر الكهرباء وتعيد تدوير المياه المستخدمة في المساكن والمتاجر.

تبقى دولة الإمارات العربية المتحدة بقطبي ريادتها أبوظبي ودبي في صدارة دول المنطقة، بل والكثير من دول العالم في تبني نظم المباني الخضراء وجعلها أسلوب حياة اقتصادي أساسي، على رأس تلك المبادرات مدينة "مصدر" في أبوظبي الأولى من نوعها في اعتماد الطاقة النظيفة والمتجددة في العالم والاستثمار في تقنيات تقنين استهلاك الطاقة. كما تستحوذ الإمارات بتفردها الأخضر على حوالي 40% من إجمالي المباني الخضراء على مستوى الخليج.

الدول الأوروبية بدورها سبقت دول المنطقة بكثير إذا ما تعلق الأمر بإنشاء أبنية ومنازل صديقة للبيئة على غرار ما يعرف بـ "البيوت الخاملة" التي تمتاز باستهلاكها المنخفض للطاقة بحيث تضمن الراحة الحرارية في الشتاء والبرودة في الصيف. إضافة إلى لجوء شركات ناشئة لابتكار روبوتات والاعتماد على الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لإدارة وترشيد استهلاك الطاقة. إلى جانب ابتداع مادة بناء طبيعية المنشأ مثل "الهمبكريت" Hempcrete خليط القنّب والجير.

بلا أدنى شك إن المهمة أمامنا جسيمة، ولكن يمكننا تحقيقها إذا وضعنا نصب أعيننا أولويتين: الأولى تتعلق بالتبعات الكربونية مدى الحياة لأي مبنى - منذ وضع أول حجر أساس أو بناء أول سقف أو عارضة، وحتى تقييم أداء المبنى بعد مرور 100 عام لاحقاً، والثانية مرتبطة بإدراك بأن الاقتصاد الأخضر أو العقار الأخضر يشكل فرصة مستقبلية وليس عبئاً اقتصادياً أو مالياً، وبالتالي يحتاج إلى شراكة متينة بين القطاعين الحكومي والخاص، قوامها معادلة استثمارات ضخمة وإرادة سياسية داعمة لهذا التحول الحتمي.

الأبنية التقليدية بتركيبتها الإسمنتية ماتزال المحفز الأكبر للاحتباس الحراري ومصدر التلوث الرئيس للمناخ، مما يدفعنا جميعاً إلى إلزام المطورين العقاريين والمهندسين إلى تصميم وتشييد مبانٍ صديقة للبيئة، تركز على الاستدامة وتهيء لنا أماكن نسعد بالعيش والعمل والترفيه فيها. مدن بمساحاتها الخضراء ومقوماتها المبتكرة أكثر راحة وجمالاً تعيد اتصالنا بالطبيعة.