^ لم يغنه أنه الكبير في منازله، ولم يعنه أنه صاحب الصول والجول، ولم يأبه لكرسي يأتي إليه الناس وهو جالس، بل تجشم العناء وجاء إلى بيت الشعب ليبدد غيوماً تراكمت على قبته، فجاء ليجلي سوادها ويكشف عتمتها، حين تردد بين أصداء الجدران كلام ليس فيه ملح ولا طعم، بل فيه شقاق وتفرق، جاء ليصلح ذات البين، ويزيل ما ترسب من أكدار وهموم، وذلك حين علم بما دار بين إخوة اشتركوا في حب البحرين وأهلها وترابها، وإن اختلفت وجهات نظرهم، وإن تفلتت الكلمات لحظة غضبهم، ولكن حين يأتي الرجل الكبير، الأمر بعدها يختلف، حيث لا بد أن تعود الأمور إلى نصابها، والمياه تعود إلى سيبانها، والقلوب تركد والنفوس تهدأ، ويبدأ العتب وينجلي ما يعكر النفوس فتعود إلى صفائها ولينها المعتاد، وتتراجع بالأفكار وتتبادل الآراء، فلنا في رسول الله أسوة حسنة في آداب الجدال والحوار، حتى إن كان الحوار مع جاهل أو عدو، فلا بد أن يعقل العاقل ويحاور بالحجة والكلمة الحسنة ونسوق لكم من الأمثلة ما يبين كيف يكون الحوار وتطييب الفؤاد، فلما عقب توزيع الغنائم في غزوة حنين، بعد أن أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال: “يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ......”، فها هو الخلق العظيم والأسلوب الرفيع في المجادلة بالتي هي أحسن حين تغير الكراهية إلى محبة، والسخط إلى رضا، والعناد والابتداع إلى اقتداء واتباع، إنه الخلق الحسن الذي يجب أن نغتدى به وإنه الأسلوب الأمثل في الأخذ والرد، فبالمجادلة الحسنة تلين القلوب وتستمع، وها هو الله يأمر نبيه موسى أن يخاطب فرعون وهو من ادعى الألوهية واستحيى النساء وقتل الأولاد “فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى”. وها هو الرجل الكبير الأمير صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان يضرب الأمثال في الرد على السيئة بالحسنة، ويحسن الكلام في كل موقف وزمان وفي أشد المواقف والشدائد نراه كيف يصيغ العبارات ويخرجها باتزان عندها يرتاب من يقابله ويشكك في نفسه وأفكاره فينلجم لسانه عما قاله ويأسف على ما بدر منه، فمن كبارنا نتعلم كيف تكون الحكمة، ومعالجة المواقف، وخاصة في لحظة نحن فيها بحاجة إلى التماسك والتفاهم، وأن نحول بين ما يعكر صفونا، بما يهدئ نفوسنا، وخاصة وأن الخطوب تتقاذفنا والأعداء تتربص بنا، الأمر الذي ينبغي معه أن نتمسك ونتعاهد على سلك سبيل الحق وتعديل المائل وتصحيح مسار الأمور، وخاصة التي تتعلق برضا الله عنه، حيث إن رضا الله هو غايتنا، ولا يرتفع عنا البلاء إلاّ بعودتنا إلى كتابه وسنة نبيه، ولا بد هنا أن نكون اليد الحانية واللسان الطيب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإنه لا سبيل بأن نسكت عما ينزل علينا سخط الله وعقابه، ولكن كما قلنا بأن الأسلوب الرفيع في المجادلة هو الأحسن والأمثل، وهو المبدأ الذي قامت عليه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن والحمد لله في بلد الإسلام والجميع مسلمون، وإن اختلفت درجات الإيمان وإن تهاون البعض وأصر على المخالفة لأمور لم يحلها الله ولم يأمر بها رسوله، ولكن هناك يبقى خيط الإسلام الرفيع مادام المسلم يؤمن بالله ورسوله الذي منه نستل إلى القلوب ونخاطب المشاعر التي تلين بالكلام والأدلة والبراهين، فها هو نبي الله إبراهيم سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، وهو نبي اجتباه، فما كان جواب الله له “أولم تؤمن” “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَىَ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىَ وَلَـكِن لّيَطْمَئِنّ قَلْبِي”، ولا بد أن يكون الجميع من نواب ووزيرة الثقافة من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وهي الثقافة التي يجب أن يبنى عليها الحوار، وخاصة عندما يكون النواب في أعناقهم أمانة الشعب، وفي عنق الوزيرة أمانة فكر وثقافة سيسألها الله عن هذه الإمانة حرفاً حرفاً وحركة حركة، وكلنا مسؤولون يوم السؤال، فما أعددنا وقدمنا له، فهل تأخذنا غيرتنا على كرامتنا أو تحدياً أو مكابرة أن لا نستعد لهذا اليوم، فإنه السؤال الذي نطرحه على سعادة النواب ومعالي الوزيرة، والذي جاء بينهم الرجل الكبير ليصلح ذات البين، والذي على الجميع أن يقدر هذا القدوم ويتعلموا منه التواضع وتقديم مصلحة البلاد والعباد على الخضوع لكبريائنا الذي يمنعنا عن العودة إلى الطريق السليم، ولا نكون كالشيطان الذي منعه غروره أن يسجد لآدم، فسأله الله عن عدم سجوده، فما كان قوله إلا خلقته من نار وخلقتني من طين، الأمر الذي يجب على المخلوقين من طين بأنه لا اختلاف ولا تفاوت بينهم وخاصة الذين قبلوا أن يحملوا في أعناقهم الأمانة، وها هو الرجل الكبير قد جاءكم حاملاً أمانته ألا وهو الإصلاح، فلم يداخله الغرور ولم يتجاهل الأمور صغيرها وكبيرها، وكما قال المتنبي نقول للرجل الكبير خليفة بن سلمان ما وجدنا أن شعره يشرح شخصية الرجل الكبير: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم فمجئ الرجل الكبير لمجلس النواب فيه درس لكل مسؤول حمل في عنقه أمانة، فيجب أن ينسى نفسه ويتذكر تلك الأمانة التي سيسألها الله عنها، فالخطأ والغلط وارد ولا بد أن يكون لقدوم الرجل الكبير مكانة بأن تعود الأمور وتتم المحاسبة والمجادلة بالتي هي أحسن وترفع التقارير وتكتب التوصيات وتنفذ، فنحن أمة لا نكابر بل نستمع إلى القول ونتبع أحسنه