^ العداء الإيراني للبعث العراقي والصداقة والتحالف الإيراني مع البعث السوري؛ هل هو تناقض سياسي في السياسة الإيرانية أم هو ازدواجية في المعايير؟ الدعوة الإيرانية لحكومة الاحتلال في العراق بمناسبة احتفالات الحزب بميلاده الخامس والستين باجتثاث ما تبقى من حزب البعث في العراق وإعدام ما تبقى من قيادة ووزراء حكومة 17 تموز المجيدة، تقابلها دعوة إيرانية لتمجيد المجازر الأسدية والمقاتلة من أجل بقائه إذا استدعى الأمر ذلك، هذان الموقفان المتناقضان أساسهما البراغماتية الإيرانية في التعامل مع العرب. لقد اتفقت السياستان الإيرانية والسورية بتحويل بلديهما إلى معتقل كبير، وبناء مجتمع أمني، مجتمع اجتث الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. والعيب هنا ليس في الحزب ولا في مبادئه بل في التطبيق، فعندما يستلّم أي حزب السلطة في أي بلد يتحوّل هذا الحزب إلى سلطة بسحب نسيج السلطة له، والأخطاء موجودة في كل تجربة سياسية ولكن حين يتحول هذا الخطأ إلى ممارسة يومية تتحول مبادئ أي حزب إلى مفاهيم ومصطلحات سلطوية. وقف النظام الإيراني في وجه البعث العراقي وحاربه دون هوادة، واعتبره حزباً كافراً وأن أعضاءه كفارٌ فجار، فساق الدسائس وراء الأخرى وأسس أحزاباً من أجل الإطاحة به، حتى نال مراده في أبريل عام 2003 بالتعاون مع هذه الأحزاب والقوات العسكرية الأمريكية والغربية والصهيونية. فمبادئ البعث العراقي هي نفس مبادئ البعث السوري، وشعارهما واحد “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، وأهدافهما واحدة “وحدة حرية اشتراكية”، لا يوجد فرق بينهما، الفرق الوحيد بين النظام السياسي العراقي والسوري هو أن النظام العراقي قد تيقظ مبكراً للثورة الإيرانية وأهدافها، وحذَّر من أخطارها خاصة على الأقطار العربية، وذلك لما تحمله إيران من ثأر كسروي تجاه العرب الذين أدخلوها منهزمة إلى الدولة الإسلامية، ولم تكن الشعارات الثورية والتحررية الإيرانية إلا الجواز الذي أدخلها غدراً إلى التراب العربي بعد أن احتلت مسبقاً إقليم الأحواز العربي والجزر العربية الثلاث في الخليج العربي. كما إن العراق وقف ضد السياسة الصهيونية. وبالرغم من أن البعث واحد لا يتجزَّأ فقد اشتبكت عروبة البعث العراقي مع المد الإيراني التوسعي وتوافق البعث السوري مع أهداف إيران في المنطقة. في عهد الرئيس العراقي الراحل “صدام حسين” احتضنت إيران اللاجئين العراقيين ومعارضي النظام السياسي، واليوم هي تقف موقفاً مغايراً مع الشعب السوري. وقد سنّت إيران قانون “اجتثاث البعث” ليس فقط من أجل قتل البعثيين العراقيين بل من أجل قتل وتهجير “أبناء السُنة” وأبناء الديانات الأخرى وإجلاء كل مَنْ لا يكون مع النهج الإيراني الطائفي ونهج ولاية الفقيه عن الحُكم وعن أرض العراق، في الوقت الذي أصدرت فيه إيران فتاوى تفيد بأن الوقوف مع النظام السوري البعثي واجب ديني!! أليس الوقوف مع الشعب السوري في محنته واجباً دينياً أيضاً؟ إنها معادلة عجيبة وبمعايير غريبة. إن إيران اليوم تعيش في حالة غير مستقرة من التوازن، تريد أن تكون دولة قوية إلا أن إفرازات سياستها الإقليمية تجعلها ضعيفة، تنفق بسخاء على برنامجها النووي إلا أنها تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً، دولة إسلامية وجارة للعرب والمسلمين وتتعامل بشوفينية وبحدة نفسية معهم، حالة تختلط معها حالة الضعف الدفاعية مع حالة من الطموح غير المقبول إقليمياً ولا دولياً. في ذات الوقت حكمت إيران الشعب الإيراني بسلطة شوفينية متطرّفة تمتاز بثقافة القمع وإلغاء الآخر وتقييد الحريات الدينية والسياسية التي لا تتفق مع منهج “ولاية الفقيه”. وهذا النهج مرتبط عاطفياً بإمبراطوريتهم الفارسية القديمة ومحاولة إحيائها ثانية، وهي مراهنة على الماضي على حساب المستقبل، والمثال على ذلك، أن الخطاب الإيراني هو خطاب إسلامي ولكن المحرّك الفعلي له هو النزعة القومية الفارسية. إذن هناك ازدواجية حقيقية في التعامل بين البعثين العراقي والسوري، فالأول مقبول والآخر مرفوض، الأول شوفيني والآخر وطني، الأول صديق لواشنطن والآخر عدو لها. الحقيقة، هي أنها أزمة هوية إيرانية أكثر منها ازدواجية، فماذا أرادت إيران من البعث العراقي ولم يتحقق وماذا تريد أن تحقق من ارتباطها بالبعث السوري؟ فهل البعث العراقي حزب علماني بينما البعث السوري ديني؟ فهل أتى البعث السوري بإرادة شعبية والآخر لا؟؟ أم أن البعث العراقي حارب الفكر الإسلامي والآخر دعا إليه؟ فإذا كان البعث العراقي انتهك حرية الشعب العراقي وقتل أبناءه، فماذا يفعل اليوم النظام السوري برأي إيران؟ إيران تُحارب أي فكر دنيوي بحجة الإسلام، وهو بمثابة نافذة لتدخل منها إيران في شؤون الأقطار العربية لمصالح وأهداف مذهبية ضيقة لا صلة لها بالإسلام الصحيح. وأن إيران تعرف بأن سقوط النظام الأسدي يمثل خسارة سياسية إقليمية لها ولحزب الله اللبناني، وأن سقوطه سيعمل على تغييرات جوهرية في المنطقة لن يكون لإيران نصيب منها. إن الواجب الوطني والقومي لكل عربي أصيل الوقوف بحزم إزاء تدخلات النظام الإيراني في شؤوننا العربية، ومنعه من تصدير سياساته لمجتمعاتنا، والعمل على توطيد الأخوّة الوطنية الدينية مع أبناء إيران. وعلى الحكومة الإيرانية أن تحل مشكلاتها السياسية والتقنية بعيداً عن التراب العربي واللعب بهويته، وعلى الجمعيات السياسية الوطنية والقومية البحرينية والعربية ألا تنساق سياسياً مع الجمعيات التي تحمل هوية العداء للهوية العربية وأصالتها، وإنقاذ مجتمعنا العربي من الخضوع الطائفي.