المعظم كان يقول من كان يتخيل هذا المنظر؟ من كان يتخيل أن يأتي يوم ونرى فيه منظر بيت الله الحرام خالياً من مظاهر العبادة؟

مكة المكرمة أطهر بقاع الأرض وقبلة كل من يريد تطهيراً وشفاءً وغسيلاً نفسياً، وينشد الراحة والسكينة تم إخلاء الحرم المكي فيها من المصلين، وقيام السلطات السعودية بإغلاقه مؤقتاً بغرض تطهيره وتعقيمه بشكل مكثف، وتعليق العمرة مؤقتاً للمواطنين والمقيمين.

هذا الكلام لا يعني أننا ضد الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية التي اتخذتها مشكورة المملكة العربية السعودية لحفظ بيت الله الحرام وأرض السعودية ككل من فيروس كورونا (كوفيد19)، ودعم جهود منع انتشاره فهذا حق من حقوق قيادة السعودية التي تخدم بيت الله الحرام وعباده المسلمين من كافة بقاع الأرض في اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تحفظ بيت الله الحرام من شر الأوبئة والأمراض، وأن لا تسمح بأن يكون هذا المكان الطاهر مصدراً لانتقال هذا الفيروس الذي تتسبب مضاعفاته في حال التأخر عن العلاج إلى الوفاة. وكما قال الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمكة المكرمة الشيخ عبدالرحمن السديس، إن قرار تعليق العمرة مؤقتاً شرعي وإجراء يتسم بكل ما من شأنه تأمين مصلحة المعتمرين والمواطنين، فهو جاء على أصول القواعد الشرعية والأصول المرعية، وهو قرار حكيم يؤكد حرص ولاة الأمر على خدمة الحرمين الشريفين واتخاذ الإجراءات التي تحمي العباد فإن كان هناك وباء أو مرض ينبغي على ولي الأمر وهو المؤتمن على الحرمين ومصلحة الحجاج والمعتمرين أخذ الإجراءات الاحترازية، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعمل ذلك لا سيما في اجتماعات الناس والصحابة ولا مجال للمحرضين والمزايدين، وعلى المسلمين أن لا ينساقوا وراء الشائعات المغرضة والافتراءات الكاذبة ضد قيادة السعودية.

وبالمناسبة الذباب الإلكتروني القطري والإيراني الذي نشط خلال الفترة الماضية في التشكيك بصحة القرارات السعودية فليصمت ويستحي، فالعالم كله شهد كيف منعت السلطات القطرية خلال موسم الحج القطريين من الاتجاه لأداء فريضة الحج وليسألوا النظام القطري قبلها لما أغلق تسجيل الحجاج القطريين للحج وشجب الموقع الرسمي، فالكل يدرك أن هؤلاء في حملاتهم الإعلامية والإلكترونية المضللة لا يهمهم أداء المسلمين لعباداتهم وصلواتهم إنما لأجل فقط استهداف السعودية بشكل شخصي، ولو كانت حملاتهم تقوم على مبدأ حق فلماذا النظام الإيراني والقطري يستهدف المسلمين في عدد من الدول العربية والإسلامية بالعمليات الإجرامية، وزرع الخلايا الإجرامية التي لا تعرف من الإسلام إلا عنوانه، ودعم الدين المسيس البعيد عن مبادئ الإسلام الحقيقية التي تقوم على حقن دماء المسلمين وتحرم القتل والتفجير والإرهاب!

نعود لمنظر خلو الحرم المكي من المسلمين والخواطر التي تلح في الذهن، ونحن نشاهد هذه المناظر التي لم نتخيل يوماً أن نشهدها ونعايشها لنستشعر النعم التي كانت بيننا سنين طويلة وفقدناها اليوم مع بلاء كورونا.. فالحرم المكي أبوابه كانت مفتوحة دائماً طيلة السنة وعلى مدار 24 ساعة، وكثير من المسلمين اليوم قد ينتبهوا لمسألة أن الله قد يشاء ويسوق من التدابير والظروف ما قد يجعل باب بيته الطاهر مغلقاً فجأة، وهو ما يقودنا إلى فكرة الاتعاظ كذلك وأنه لا يوجد أي شيء مضمون في هذه الحياة وفي أي لحظة مفاجئة قد يغلق باب التوبة والمغفرة..أي لحظة قد تنتهي حياتك ويغلق باب التوبة عنك وتكتشف أنه مر عليك الكثير من الوقت والسنين وأنت مشغول بحصاد الدنيا عن حصاد الآخرة «حتى إذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت».

الحرم المكي الذي يعتبر المأوى للمسلمين الذين يتدافعون عن ركن الحجر الأسود لتقبيله، والصلاة عند مقام إبراهيم وعند باب الكعبة المشرفة للدعاء، فالدعاء في هذا المكان مستجاب، منظر خلوه عبرة وتذكرة لنا كمسلمين أن نعاود ونراجع أنفسنا في الكثير من النعم المحيطة بنا التي خسرناها مؤقتاً اليوم، ونستشعر قيمتها وأهميتها في حياتنا ونتوجه لله بالدعاء أن يصرف عنا هذا الوباء فلا طاقة للعباد أن يصرفوا من بيته الطاهر ويبعدهم عنه ويعاقبوا بالحرمان من هذا المكان المبارك الذي لطالما كان مكاناً للعلاج والشفاء الروحي قبل الجسدي، وأن لا نشهد زمن الحديث الذي ورد فيه «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء».