تخلف الحرب دولة منقسمة فيها ثلاثة جيوش واحد من المشاليل، وجيش من المشيعين، وجيش من اللصوص، ولوباء كورونا تأثيرات تذهب إلى أعمق مما يمكن رصده خلال المرحلة الحالية، لكن المؤكد أنها تشبه الحرب بكل ما تحمله من معاناة للبشرية، لذا ستشبه مخرجاتها مخرجات الحروب وستترك كورونا كبقية الأوبئة نفس تبعات الحروب، وتتشابه معها بالتغيرات الديمغرافية. وفي كثير من أقاليم البؤس المحيطة بنا يرحل المستبدّ- في العادة - ويبقى أقرباؤه، ويقال إن كورونا ستبقى كدولة عميقة ستستوطن أجسادنا لتعيد إنتاج الارتباك كلما حلت بنا كارثة عالمية، فهناك فرق بين نوبة هلع طفل، وبين الانهيار الكامل، الذي يتجسد في فورة عاطفية غير مسيطر عليها، بسبب حمل زائد على الجهاز العصبي، من قبل زعماء بعض الدول. ومن يستبعد ذلك عليه تذكر ارتباك من يقول لشعبه «ستفقدون بعض أقربائكم قريباً»، وذلك خير مثال على أن البؤس السياسي ضيع البأس الصحي. أو من أعلن عن القضاء على الوباء فيما شعبه يتساقط، أو من قال إن أزمة فيروس كورونا ستنفرج بحلول أبريل، أو خلال شهر أبريل لارتفاع درجات الحرارة فيه، أو هول اكتشاف العالم أن للتخلف الصحي قعراً هوالبلد الغربي إيطاليا. وكل الأمثلة في أكثر دول الغرب تقدماً. هذا الارتباك جعلنا لا نسمع رأياً سياسياً يعتد به حول مكونات مسرح النظام العالمي بعد كورونا.

لقد أثبتت «الإدارة بالكمامات الطبية» -إن جاز لنا توصيف نهج بعض الحكومات- أثبتت فشلها، لأن الإجراءات المطلوبة أبعد من الوقوف متر واحد من الإنسان الآخر، بل هي ثقافة كان يجب غرسها منذ أجيال. فهناك شعوب تعيش تحت خط الخوف المقبول، لأنها عاشت في رفاهية حكومية حالت بينهم وبين معرفة الحياة على حقيقتها. بل ظهرت أنباء عن حكومات تساوت مع شعوبها في قِصر الحيلة فاقتصرت على استيراد وتوزيع وشرح ارتداء الكمامات الطبية. والحق، أن هناك ارتباطاً بين إجراءات مواجهة كورونا وكفاءة نظم إدرة الأزمات.

في الجانب السياسي ظهر ركوب بعض الوصوليين للشارع الموبوء للوصول إلى كرسي صنع القرار، مستغلين سيادة فكر مدرسة ناقمة في وسائل التواصل الاجتماعي. ونشر قراءة من نتاج عقلية مؤامراتية، كتهم الحرب البيولوجية والتي إن صدقت فستكون من مظاهر الصراع الدولي في المستقبل لتشارك الدرونز والصواريخ الجوالة تشكيل ملامح الحروب القادمة. إلى جانب التوظيف الاقتصادي لأزمة كورونا، وكيف سارعت دول حصيفة إلى تطبيق سياسات عامة في مجال الاستيراد، وبمنع الاحتكار وإعادة مصانع متوقفة للعمل، وضبط التصدير ومراقبة النفايات الطبية الأجنبية.

* بالعجمي الفصيح:

رغم أن أرقام المصابين والمتوفين من كورونا ستتراجع، وسيختفي الوباء، لكن التهدئة هي معركة إعداد لوباء جديد، فواقع الحياة هو الصراع، والرخاء ما هو إلا لحظة مؤقتة واستثنائية. وفي صخب المماحكات السياسية والاقتصادية في العالم، لم تعطِ مراكز الدراسات المستقبلية سـوى مكانة هامشية للأوبئة.

* كاتب وأكاديمي كويتي