لخبرتهم الطويلة القاسية، ولسلامة أركان منظمتهم، ووضوح الأهداف، والأولويات، يكون العسكر هم الأكثر استقراراً في مواجهة الارتباك حين تكون أعصاب الشارع مشدودة في الأزمات، كما أن التعامل مع فيروس كورونا أفضل اختبار لمعنى قوة الدولة الشاملة، العسكرية، والبشرية والاقتصادية، والاجتماعية، والمعنوية. ويتم في دول مجلس التعاون راهناً تزايد التعبئة في صفوف القوات للمشاركة في الحرب ضد فيروس كورونا لتعدد الأمور التي يمكن أن يقوم بها العسكر خلال الوباء.

لقد اتخذت عسكرية دول الخليج بدرجات متفاوتة تدابير بخصوص فيروس كورونا، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تأثيرها على أنشطة القوات المسلحة. فعلى سبيل المثال وضع العسكر أنفسهم قيد العزلة في معسكراتهم حال الاشتباه بحالة واحدة لتقل ثغرات دخول الفيروس للمجتمع. ولعل الاطمئنان الذي ساد الشارع الكويتي مثلاً بعد نزول الشرطة والحرس الوطني لتسيير الحظر الجزئي خير دليل على الشعور الذي تعنيه «عسكرة الشارع الحكيمة» لأهداف تصب لصالح المواطن، يضاف له قيام الجيش ببناء المستشفى الميداني، ونزول أطقمه الطبية لفحص وعلاج أكثر من 7 آلاف حالة خلال أسبوع. والجيش بصفة عامة في دول الخليج مخزن للموارد البشرية المنضبطة والمدربة والقادرة على الحركة يدعمها معنوياً الحزم وروح القتال والمبادرة، كما يدعمها مادياً بيئة تسهيلات كثيرة كالمعدات والقواعد والمعسكرات والمطارات وسلاح الهندسة القادر على إقامة المستشفيات الميدانية في وقت قياسي، والخدمات اللوجيستية، لنقل الإمدادات الحيوية. ومصداقية وسرية الاتصالات العسكرية. كما أن الاطمئنان من قبل المجتمع جراء مشاركة القوات المسلحة يعني أن يسد الجيش ومجندو قوات الاحتياط والحرس الوطني نقص الشرطة المدنية، لحماية المنشآت الحكومية والمخازن، ومصادر المياه لوقف نوازع الشر في نفس كل عابث يستغل وقت الأزمة.

لكن دور العسكري الخليجي في مواجهة فيروس كورونا يحفه بعض المخاوف، فنزولهم للشارع يعني التعرض المباشر للوباء، وارتفاع عدد الجنود القابعين في الحجر الصحي مما يعني المساس بالكفاءة العملياتية للجيش لأداء مهامهم في أعقاب الأزمة، فانتشار الوباء في العسكر يعني فرض الإغلاق على جميع القواعد العسكرية لتقليص اتصال الجنود مع الناس، ويعني توقف كافة برامج التدريب والمناورات المحلية والإقليمية، وإلغاء سفر وتحركات بعض العسكريين المناط بهم تتبع سير الاتفاقيات الأمنية، بالإضافة إلى توقف برامج التحديث للمعدات فنحن بلدان تعتمد على استيراد أسلحتها، مما يعرضنا للانكشاف الأمني جراء حال عدم وصول القطع والذخائر.

* بالعجمي الفصيح:

إن أهم دور للعسكرية الخليجية في أزمة فيروس كورونا هو الاستعداد لاستلام ملف أمن الخليج في جانبه العملياتي، فأشد ما أقلق المراقب الخليجي هو تبدد الوهم الاستراتيجي، جراء إعلان القيادة المركزية للجيش الأمريكي في العراق وسوريا عن إعادة انتشار قواتها في المنطقة انسحاباً أمام انتشار جحافل فيروس كورونا. فالمعنى المهذب للانسحاب الأمريكي عادة هو حين يستخدم رجال البنتاغون ألفاظاً شديدة المراوغة كإعادة تمركز مؤقت لقواتهم، فحذارِ من هيمنة قناعات، أخذت شرعيّتها من عصر ما قبل فيروس كورونا.

* كاتب وأكاديمي كويتي