هل يعد فيروس كورونا اختباراً من الله ليكشف زيف الكثير من الدول التي لطالما تغنت بالديمقراطية ووصفت بأنها من أكبر وأعرق الدول المتطورة والتنموية والديمقراطية وصدعت رأس دولنا العربية والخليجية بمبادىء حقوق الإنسان والطفل والمرأة كما صدّع رؤوسنا أولئك الذين يمارسون الضغط على دولنا دائماً ويطالبون بحكومات منتخبة بدعوى أهمية الاقتداء بهذه الدول وتطبيق مفاهيم للحريات هي بالأساس ليست مفاهيم تنموية تدعم حقوق الإنسان إنما تتسبب بالفوضى الأمنية الخلاقة وتستهدف أنظمة الحكم لدينا فمحك فيروس كورونا فضحهم وكشف مدى هشاشتها وأطاح بإمبراطوريات الحريات وخدعة رفاهيات مواطنيها من عروشها وهز أمماً واتحادات دول وبين أنها كانت مجرد واجهات وفرقعات شكلية لا فعلية وبعيدة عن التطبيق وقت الأزمات والكوارث!

كارثة فيروس كورونا التي اجتاحت عدداً من الدول الأوروبية أثبتت لدول العالم أجمع اليوم أن مجلس التعاون الخليجي أكثر صلابة ومتانة من الاتحاد الأوروبي الذي لطالما تغنى به الآخرون واحتذوا به كمثال لمفاهيم الاتحاد بين الدول والشراكة فيما هو كما أثبتت الأيام أنه قائم على الهشاشة! لقد أثبت مجلس التعاون الخليجي اليوم وهو يسحب البساط دون أدنى تعب ومجهود بالتحركات والمواقف والتنسيق المشترك بين دول الخليج العربي أنه كمنظومة تعاونية الأكثر ثباتاً وتجسيداً لأسمى معاني الاتحاد والتعاون البناء والتكاتف والمؤازرة ودعم الشعوب التي تقع تحت مظلة مجلس التعاون من كل مثاليات الاتحاد الأوروبي الذي سقط وتلاشى وبينت مدى ضآلة حجمه كاتحاد وأنه قام على كل شيء إلا معاني الأخوة والشراكة الحقيقية والترابط والتكامل بين الدول الأعضاء. منظومة دول مجلس التعاون الخليجي اليوم نموذج عالمي رائد يُعلِّم ولا يتعلم ويُقتدى به ويُحتذى ولا يباع أو يشترى، سيظل قائماً وقواعده في ذلك أسس المحبة والتاريخ العميق المشترك مهما حاول البعض عرقلة تقدمه وتفكيكه أو تحويله إلى مجلس شكلي وواجهة بلا تأثير فاليوم برزت أهميته ولمع بريقه أمام شعوب العالم التي تتمنى لو تحظى بمكتسبات شعوبنا الخليجية.

مملكة البحرين قامت خلال هذا الأسبوع باستقبال 800 مواطن كويتي قادمين من أمريكا وأوروبا في طريقهم إلى الكويت حيث تم استقبالهم على أرض بلدهم الثاني البحرين وغادرت الدفعة الأولى منهم إلى الكويت والتي تضم المسنين وصغار السن حيث تم إعطاؤهم الأولوية وكان عددهم 46 شخصاً على طائرة مؤجرة وبقي منهم أكثر من 750 مواطناً كويتياً وقد أجريت لهم الفحوصات الطبية اللازمة للكشف عن المصابين بفيروس كورونا وتم إدخال المصابين منهم إلى العزل الطبي في خطوة تكشف سعي البحرين ومواقفها تجاه شعوب إشقائها من دول الخليج العربي وقد علق وزير شؤون الإعلام البحريني السيد علي بن محمد الرميحي على هذا الخبر وهو يصرح لإحدى الفضائيات الكويتية: هناك توجيه من جلالة الملك حفظه الله ورعاه أن أي خليجي هو بحريني والكويتي في البحرين بحريني 100% في أي ظرف فما بالكم في هذه الظروف؟ ضمان صحة أي كويتي هو ضمان لصحة البحرين. وقد نال تصريحه أصداءً طيبة وواسعة عند الرأي العام الكويتي الذي أشاد بموقف مملكة البحرين الطيب والمشاعر الأخوية الصادقة التي لامسوها من مسؤولي وشعب البحرين.

والإمارات كذلك لم تتأخر عن المبادرة والدعم فقد قامت الإمارات باستقبال طائرتين قادمتين من بريطانيا على متنها 400 طالب كويتي وتم تقديم الدعم اللازم لهم وتلك هي الإمارات أصلًا وهذا ليس بمستغرب على دولة قادتها أبناء زايد العظيم رحمه الله وشعبها شعب طيب وكريم، كثير من المواطنين من المملكة العربية السعودية كذلك أبدوا شكرهم وتقديرهم إلى مملكة البحرين التي استقبلت أبناءهم السعوديين المسافرين ووضع بعضهم في الحجر وقدمت لهم كافة أوجه الدعم والرعاية الصحية اللازمة لحين التأكد من سلامتهم ومن ثم مغادرتهم إلى المملكة العربية السعودية وهذه المواقف لم تأتي بناء على مصالح تقوم عليها منظومة دول مجلس التعاون ولأسباب تتعلق بالاتفاقيات المشتركة والبروتوكولات وهذا ما ذكرناه نحن وغيرنا من سنين طويلة أصلاً إن الروابط الأخوية والأواصر العائلية العميقة بين قيادات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي هي الأساس وهي أكبر حتى من هذه المنظومة وأن الاتحاد الخليجي وإن لم يتم إشهاره رسمياً لأي أسباب كانت وتعطلت مصالحه لكنه هو متحقق بالأصل على أرض الواقع والمواقف بين شعوب دول الخليج العربي أكبر دليل وبرهان على ذلك وهذا ما يراه العالم أجمع في أي محفل سواء أكان تنموياً أو سياسياً أو رياضياً أو حتى احتفالات الأعياد الوطنية حيث تحتفل شعوب دول الخليج العربي جميعها بهذه المناسبة بل وبعضهم يتجه إلى الدولة التي تشهد أجواء الاحتفال ليسجل موقفاً باسم وطنه ويحتفل معهم وكأنهم بلد واحد وشعب واحد فكل خليجي هو مواطن في أي بلد خليجي كان ويحظى بمكتسبات وأولويات وامتيازات كما مواطني الدولة.

اليوم الاتحاد الأوروبي يعاني من صراعات وتبادل اتهامات بدأت تظهر على السطح بشكل أوضح وهناك محللون يؤكدون أن العالم لن يكون مثلما كان قبل أزمة فيروس كورونا فالاتحاد الأوروبي الذي أشهر بناء على مفهوم التضامن وركيزة التعاون تخلى عن كل هذه العناوين المثالية مع أزمة كورونا وكل دولة أوروبية قدمت مصالحها القومية والخاصة بها على مصالح الاتحاد وأغلقت حدودها وأخذت تتحرك بمفردها دون التنسيق فيما بينهم وقد أكدت تقارير المنظمات الصحية أن فيروس كورونا أصاب أكثر من 200 ألف أغلبهم في إيطاليا كما شنت وسائل الإعلام الإيطالية هجوماً حاداً على السلطات التشيكية تتهمها باستيلائها على أقنعة وملابس واقية صينية مرسلة وأجهزة تنفس إلى مستشفيات إيطاليا التي تعاني من نقص حاد في الأقنعة والأدوية وصادرتها ووزعتها على المستشفيات التشيكية فإيطاليا من أكثر الدول الأوروبية تضرراً من داء فيروس كورونا وأيضاً من أكثر الدول الأوروبية التي تنتقد تصرفات الدول الأعضاء في الاتحاد الذين تخلوا عن مساعدتها ولم يستجيبوا لدعواتها في نجدتها أمام تراجع النظام الصحي والطبي لديها بسبب الأعداد الهائلة من المصابين لديها حيث إن الصين الدولة الوحيدة التي تضامنت مع إيطاليا واستجابت لمطالبها من خلال إرسالها لأطنان من المستلزمات الطبية وطواقم من الخبراء المتطوعين وهناك من يحلل المشهد القائم بأن إيطاليا قد تستبدل الاتحاد الأوروبي بالصين في مرحلة ما بعد فيروس كورونا وكافة المؤشرات تؤكد أن إيطاليا قد تنسحب من الاتحاد الأوروبي بعد أن تعطل مبدأ التضامن الذي يقوم على أساسه الاتحاد!