من الأمور الجميلة والتي ينبغي الإشادة بها وتدوينها في سجل الإنسانية بأحرف من ذهب إقدام الدول على مساعدة بعضها البعض في الظروف الاستثنائية والطارئة. من ذلك على سبيل المثال إرسال مصر مساعدات طبية إلى إيطاليا تعبيراً عن التضامن وللإسهام في التخفيف من معاناة الشعب الإيطالي الصديق الذي فاقت خسائره البشرية خسائر الصين التي بدأ منها فيروس كورونا (كوفيد 19) رحلته التدميرية «مصر عبرت أيضاً قبل ذلك عن تضامنها مع الصين وأوفدت وزيرة الصحة المصرية إليها للقيام بهذه المهمة وبـ «أمور أخرى» لم يكشف عنها حتى الآن ولكن يعتقد أن لها علاقة بلقاح من جهد علماء مصريين ربما ينتج بالتعاون مع الصين»، وكذلك فعلت بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي أعطت الكثير ولم تستثن إيران رغم كل ما نالها من أذى على مدى أربعة عقود من قبل النظام المستولي على الحكم فيها.

لكن من الأمور المثيرة في هذا الصدد أن النظام الإيراني عبر على لسان الرئيس حسن روحاني أخيراً عن استعداده «لتقديم المساعدات لأي دولة تطلب ذلك منها بشأن مكافحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، إذ كيف لبلاد لم تتمكن حتى الآن من مساعدة نفسها ووقف انتشار الفيروس فيها من تقديم المساعدة للدول الأخرى؟ كيف لها وهي التي أصاب الفيروس حتى الآن ما يقرب من 30 ألف مواطن إيراني وقتل أكثر من 2000 مصاب أن تساعد الآخرين في الميدان الذي فشلت فيه؟ كيف تقوم بذلك وهي التي صارت تشحذ أجهزة التنفس والكمامات وملابس الأطباء من الدول الأخرى وتطلب المساعدات من منظمة الصحة العالمية؟ في المقابل كيف للدول الأخرى أن تثق في قدرات هذه البلاد وهي ترى إخفاقها المتواصل في التعامل مع هذا الوباء؟

التفسير المنطقي لتصريح روحاني هو توصيل رسالة إلى الداخل الإيراني بغية الضحك على ذقون المواطنين مفادها أن الفيروس تحت السيطرة وأنه كذلك رغم أن أعداد المصابين به والمتوفين بسببه في ارتفاع «في نفس اليوم الذي أدلى فيه روحاني بهذا التصريح تم الإعلان عن وفاة 143 شخصاً وإصابة نحو 2000 من الإيرانيين».

روحاني لم يكتف بذلك التصريح ولكنه قال أيضاً خلال اجتماع للحكومة الإيرانية الثلاثاء الماضي «لقد حققنا في المجال الطبي إنجازات كبيرة»! وزاد بأن «60% من المشافي باتت خالية من المرضى ما يؤكد وجود جهود كبيرة في مجال مكافحة كورونا»! «تبع ذلك بقليل الإعلان عن تجهيز أكبر مجمع تجاري في طهران بـ 3000 سرير لاستيعاب المصابين الجدد» وهو تناقض غير مفهوم بالمرة ويؤكد أن بعض ما تقوله المعارضة الإيرانية على الأقل صحيح «المعارضة توفر أرقاماً تزيد عشر مرات عن الأرقام التي يوفرها النظام فيما يخص أعداد المصابين والمتوفين».

قول روحاني إنه بلاده على استعداد لمساعدة كل الدول التي تطلب منها المساعدة لمواجهة الفيروس – رغم تيقنه بأنها لا تستطيع ذلك ورغم اعترافه بأنها في حاجة إلى مساعدة الآخرين ورغم علمه بأن فاقد الشيء لا يعطيه – يدخل غالباً ضمن المساعي لرفع العقوبات عن إيران في ظل تفشي الفيروس في كل مدنها وقراها، فلعل الغاية منه أيضاً سياسية محضة «الأكيد أن شيئا من ذلك لن يحصل بعد أن يتم الإفراج عن بعض الأموال الإيرانية ورفع العقوبات وتمكين النظام من شراء ما يريد شراءه من الخارج».

واقع الحال يؤكد أن النظام الإيراني يعيش مأزقاً كبيراً وخطيراً، يؤكد ذلك تصريحات روحاني المتناقضة، وتؤكده تصريحات خامنئي قبل أيام عن «تعاون الأعداء من الجن والإنس ضد بلاده» والتي أثارت جدلاً واسعاً في الشارع الإيراني حتى راجت الشائعات والتعليقات الساخرة حول إقدام النظام على استحداث قسم لمكافحة الجن!