فاطمة يتيم

يعتبر التسوق من أهم المتطلبات الحياتية، وأمر طبيعي يقوم به الجميع، ولكن مع تطور التكنولوجيا وتسهيلها للشراء عبر مواقع التواصل والتطبيقات، أصبح هناك فئة من الناس يفرطون في ذلك إلى أن أصبح هوساً وإدماناً، فيتحول من مُتطلب إلى مرض يجب أن يعالج، فينتج عن ذلك أموراً سلبية تنعكس على حياة الفرد وعلاقاته مع الآخرين، خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا (كوفيد19) مع استمرار تزايد حالة عدم اليقين بشأن الفيروس، حيث أصبح المستهلكون أكثر حذراً بشأن التسوق في الأماكن العامة ويستخدمون التسوق عبر الإنترنت كوسيلة للحصول على الضروريات.

وأكد مواطنون لـ"الوطن" أن فيروس كورونا (كوفيد19) أحدث تأثيراً كبيراً على المجتمع البحريني، حيث تم اتخاذ العديد من تدابير العزل والابتعاد الاجتماعي وغيرها من الإجراءات التي كان غرضها إيقاف انتشار الفيروس أو تبطيئه، وخفض احتمالية الاتصال بين أشخاص مصابين مع آخرين غير مصابين، إذ طلب من أصحاب المحلات التجارية أن تغلق محلاتهم لمدة 14 يوماً وإعادة فتحها بعد ذلك لمدة 14 يوماً أيضاً، وكذلك طلب من الموظفين العمل من منازلهم، وتم وضع المدن تحت إغلاق شبه محكم وإغلاق المدارس، وبالتالي بدأ الناس تجنب الأماكن العامة والمزدحمة والاتجاه نحو التجارة الإلكترونية.



وقال المواطن الشاب علي الحداد: "بلا شك إن التجارة الإلكترونية باتت البديل الناجح في ظل الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد في الوقت الراهن بسبب انتشار فيروس كورونا (كوفيد19)، والتزام الناس بالمكوث في منازلهم، ونفاذ بعض السلع الاستهلاكية والطبية من الأسواق، مما دفع الكثيرين إلى استخدام التطبيقات الإلكترونية المحلية أو الدولية للتزود بالمؤنة التي تؤمن المكوث في المنازل خلال فترة العزل".

وفيما يتعلق باستمرار الناس على هذا النمط حتى بعد انحسار الوباء، قال: "لا أعتقد ذلك بل سيعود الغالبية للتسوق العيني المباشر من الأسواق، كون البعض يلجأ غالباً إلى التسوق المدفوع بالمشاعر دون الحاجة الفعلية للشراء وهو ما يعرف بالتسوق العاطفي، كما أن الحاجه الملحة أحياناً ستدفع البعض إلى الشراء من الأسواق على الرغم من ارتفاع الأسعار أو اختلاف الجودة عن السلع في الأسواق الإلكترونية وذلك ما يختصر وقت الحصول على المنتج أو السلعة".

من جانبه، أكد المواطن أحمد كركي، أن فيروس كورونا (كوفيد19) ساهم في انتعاش التجارة الإلكترونية داخل المجتمع البحريني، قائلاً: "أثبت قطاع التسوق الإلكتروني، في ذروة شلل الاقتصاد العالمي الناجم عن القيود الاستثنائية لحركة الأفراد بسبب فيروس كورونا (كوفيد19)، أنه يمثل نموذجاً مستقبلياً لمواجهة الطوارئ والأزمات والكوارث بفضل بنية التخزين والنقل الهائلة".

وأشار إلى أن تفشي وباء فيروس كورونا عجل اكتمال عناصر هيمنة التجارة الإلكترونية، التي كانت تواجه مقاومة وقيود نوعاً ما من الحكومات وقطاعات التجارة التقليدية لمنع ذلك التحول، بسبب مخاوف من فقدان الوظائف وإغلاق المتاجر.

من جهته، قال تاجر الأقمشة، الذي يبيعها على حسابه "الإنستقرام" محمد حسين: "في بداية مشواري كنت أملك متجراً لبيع الأقمشة النسائية في محافظة المحرق، بعد ذلك انتقلت إلى التجارة الإلكترونية، فأصبحت أتعامل في البيع والشراء بكلتا الطريقتين التقليدية والإلكترونية، لكي أرضي الجميع وأضمن النجاح وتحقيق المكاسب في مثل هذه الظروف الاستثنائية، حيث يجب على جميع أصحاب المحلات التجارية أن يضعوا في الحسبان حاجتهم إلى حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي في مثل هذه الأزمات، التي قد تطول مدتها لا قدر الله، لأن تجارة الإنترنت تتولى دور الإنقاذ في أوقات الكوارث، وتقدم النموذج المستقبلي لمواجهة الطوارئ".

ولفت إلى أن حسابه الإنستقرام من أجل التسوق الإلكتروني يشهد في الأسابيع الأخيرة نمواً وإقبالاً كبيراً، بسبب التزام المئات من الأشخاص بالبقاء في منازلهم طوعاً أو قسراً لمواجهة تفشي الوباء، خاصة بعد قرار غلق المحلات التجارية لمدة أسبوعين.

كما قال الخبير الاقتصادي الدكتور أكبر جعفري: "رب ضارة نافعة، حيث إن فيروس كورونا (كوفيد19) سرع عجلة المستقبل الذي كان مكتوب علينا وتوجهنا إلى الأدوات الإلكترونية للتعامل عن بعد، فهي ظاهرة جيدة جداً وحميدة بالنسبة للاقتصاد حيث يوجد شراء أكثر، إنتاج أكثر، واستهلاك أكثر".

وأضاف، "بالنسبة للمحلات التجارية غير الإلكترونية يجب عليها أن تركب القافلة منذ الآن، وعلى وزارة الصناعة والتجارة والسياحة وكذلك صندوق العمل "تمكين" مساعدتهم على مواكبة التكنولوجيا والتعامل التجاري الإلكتروني، كذلك لا ننسى دور الجمعيات الأهلية وطلبة الجامعات الموهوبين حيث إننا نمتلك فئة فريدة من طلبة البحرين الذي يملكون القدرات والكفاءات لمساعدة أصحاب تلك المحلات في تجاوز هذه الأزمة".

وأكد جعفري، أنه "حتى بعد انحسار الفيروس سيجد الناس أن التسوق الإلكتروني أوفر لهم وأكثر راحة، وليس فقط فيما يخص المشتريات بل حتى الأعمال والوظائف، فأنا شخصياً أقضي 80% من حاجاتي اليومية عن طريق الإنترنت".

من جهته، قال استشاري الطب النفسي الدكتور حميد الرضا: "بشكل عام فإن هوس التسوق الإلكتروني والإدمان عليه قائم منذ فترة ويزداد بشكل كبير في العالم يوماً بعد يوم، والدليل أن "أمازون" و"علي بابا" في انتشار كبير، وبالتأكيد انتشار الوباء في الوقت الراهن زاد من هوس التسوق الإلكتروني بشكل مضاعف، على الرغم من أن التسوق التقليدي بين المحلات التجارية في جانب اجتماعي وتواصل مباشر بين المنتجين والمستهلكين، لكن أزمة تفشي فيروس كورونا (كوفيد19) عجلت من إعطاء زخم لوتيرة هيمنة عمالقة التجارة الإلكترونية مثل أمازون وعلي بابا ونظيراتها المحلية في أنحاء العالم بسبب قدراتها اللوجستية الهائلة، التي تخفف من وقع الأزمات".

وأكد، "أغلبية فئات المجتمع من شباب ومراهقين زاد لديها هوس وإدمان التسوق الإلكتروني، بل إن حتى كبار السن الأكبر والذين هم الأكثر عرضة للضرر عند الإصابة، من المحتمل أن يغيروا سلوكهم بشكل خاص، مما يعني المزيد من الاعتماد على التجارة الإلكترونية، وهو مجال لم يكونوا نشطين فيه سابقاً، كما أن الأشخاص الذين كانوا يكرهون فكرة الشراء عبر الإنترنت سيعيدون التفكير في هذا الأمر حتما إذا تبين لهم أن الذهاب إلى المتاجر المزدحمة يمكن أن يقتلهم حقاً".

وقال: "يبدو من المؤكد أن قطاع تجارة التجزئة العالمي لن يعود إلى ما كان عليه قبل أزمة تفشي فيروس كورونا (كوفيد19)، حيث سيجد الكثير من متاجر الشارع العام صعوبة في استئناف نشاطها، بسبب المتاعب التي كانت تواجهها قبل الأزمة، كما أن طباع وسلوكيات المستهلكين ستكون قد تغيرت بشكل كبير بعد هذه الصدمة، ومن المستبعد العودة إلى سهولة الاختلاط مع الغرباء في التجمعات الحاشدة في الأسواق وغيرها".