هل سمعت يوماً مصطلح «الروحية الماورائية» أو «السببية الماورائية»؟ ذاك الجانب غير المرئي المتعلق بالأسباب المفسرة لبعض الظواهر السلوكية/النفسية البشرية أو المعطى والتطور البيولوجي الفردي وانحراف مساراته، وكيف يمكن تفسير تلك التطورات الفردية على مجتمعات برمتها من خلال مقارنة تكرار المعطى والبحث في القواسم المشتركة الكامنة المؤدية لحدوث طفرة جينية ما أو تميز في سلوك أو مكون نفسي لجماعة ما.

لعل القارئ المتابع قد لاحظ انطلاقتنا في الحديث عن الأنظمة الفكرية عندما أشرنا في مقال سابق لتأثير أفكارنا على أجسادنا وما يعتريها من مشكلات وأمراض، فضلاً عن تناولنا الجانب المتعلق بتفعيل القوانين الكونية العامة والتي يأتي في أبرزها قانون الجذب، وكيف أن الأفكار تعمل على ضبط النتيجة التي نريد تحقيقها في قادم الأيام إذا ما أحسنا إدارتها وقبل ذلك مراقبتها على نحو واعٍ وجيد.

ما يدفعنا للوقوف اليوم على الأنظمة الفكرية مجدداً هو الجانب الماورائي الذي وقفنا عليه، وكيف أن ثمة أموراً غير مادية، وقد لا يعترف بها العلم بطريقة ما، ولكنها تلقي بظلالها فعلياً على حياتنا، بل وتؤثر فيها على نحو فاعل، حتى جاء علماء النفس وأرسوا دعائم بعد آخر غيرملموس ولكن يمكن الاعتراف به نسبياً على نحو مخبري من خلال إجراء مجموعة من التجارب النفسية على عينة من البشر ومن ثم الخروج بنتائج معينة، ولكن تكمن مشكلتها في أنها ليست بالضرورة تنطبق على الجميع.

إن تفنيد رؤية علم النفس للإنسان وتفسيرات كل ما يعتريه لم تكن كافية لفهم الإنسان بصورة شمولية، ولا يمكن الوثوق إلى هذا الحد بكل النظريات وتعميمها كما أشرت، وهو أمر تناولته بمنتهى الدقة والوضوح أنوديا جوديث المتخصصة في علم النفس السريري، إلى جانب مجموعة كبيرة من الخبرات والمعارف الأخرى، إذ قالت في أحد كتبها أنه «لم يكن بمقدوري قبول فكرة أنه من الممكن قياس الروح الإنسانية بتجارب مخبرية تحدد السلوك المتنبأ به، إذ كنت أنظر إلى كل شخص على أنه جميل على نحو فريد في حين كانت جروحه تفرض تحدياً».

* اختلاج النبض:

قد يرى البعض أن اختلاف تجاربنا الإنسانية في جانب وتشابهها في جانب، هو الذي يخلق حالة التفرد لكل منا بشكل استثنائي، وهو ما اعتبرته جوديث أمراً فريداً بطريقة ما، وهو أيضاً ما يستدعي البحث في تفسير ذلك التفرد على نحو أكثر عمقاً، وهو ما سنقف عليه غداً إن شاء الله؛ فإلى لقاء.