المصائب والأوقات الصعبة تجمع الناس مع بعضها، خاصة إن كان التهديد موجهاً للكيان الذي يعيشون فيه، أو لسلامتهم وأمنهم، أو لاستمراريتهم وبقائهم.

في المنعطفات العصيبة تتجلى معادن الناس، وتعرف تماماً كل شخص على حقيقته، وحتى من يسعى للتلون ينكشف بسهولة، فتحديد المواقف وحده كفيل بكشف كل شيء، خاصة إن كان الأمر متعلقاً بالوطن والانتماء له.

اليوم في وضعنا الحالي المعني بمواجهة تفشي فيروس كورونا، وما يحصل في البحرين من جهود متشعبة ومتكاملة بين الجهات الرسمية والشعبية، يمكننا من القول بأن «المعدن الأصيل» للبحرينيين المحبين لبلادهم، ولرؤية بلادهم بأمن وسلام، هذا المعدن يتجلى، حتى لدى كثيرين لربما كانت بينهم آراء متباينة، أو اختلافات في الفكر، بحيث يتضح أن ما يجمعهم أمر واحد لا غير، وهو «الوطن».

طبعاً لست أتحدث عمن سجل عليه التاريخ محاربته الوطن عياناً جهاراً، أو كشفت المواقف زيف ادعاءات حبه للبحرين، فالأفعال أصدق من الكلمات، ومن يقبل على وطنه بأن ينهش لحمه، وأن يقدم كغنيمة لطامع أجنبي، أو هدية لأجنداته، هؤلاء هم من تثبت عليهم تهمة «التخوين»، وهي تهمة كبيرة لا يمكن وصف الإنسان بها إلا لو أثبت بالفعل أن الوطن لا يهمه، وأن سلامته لا تعنيه، وأن وحدة أهله ليست سوى هدف لتفتيتها.

لكن هناك من في الوطن من قد لا يتفق معك في توجهك أو رأيك، وحتى في المسائل المجتمعية التي تسمح بهامش نقاش ومساحة للاجتهاد، قد لا تجتمع الآراء، لكن في النهاية المواقف العصيبة، واللحظات الحرجة، هي التي تكشف حقيقة ما في الصدور، وهل الوطن موجود داخل هذا القلب، وهل هو ذو مكانة لا يمكن زعزعتها؟! هذا هو المعيار والفيصل.

أعرف أن هذا الحديث قد يكون مزعجاً للبعض، فأكره ما قد يواجه الإنسان هي عملية المساءلة بشأن انتمائه وولائه للوطن، لأن مسألة الدفاع عن ذلك ثقيلة جداً، إن جاءك أي شخص ليتهمك، وقد ينساق وراءه آخرون ويصدقونه، بينما الشواهد والأدلة تقول بأنك من الاستحالة أن ترخص بتراب هذا الوطن الغالي.

لعل ما نمر به اليوم من مواجهة لهذا الفيروس كشفت الكثير، ووضحت مواقف الكثير، فمثلما قلت حينما يُستهدف الوطن تظهر المعادن الحقيقية، واليوم حينما ترى بين الأفراد كل شخص يقوم بدوره، أو يدلي بدلوه، ستكتشف أن هذه المرحلة العصيبة أعادت حالة الانصهار الوطني لدى كثيرين، ستجد أن هذا الفيروس اللعين قد يكون وحد البحرينيين المحبين لبلادهم على خط جبهة واحدة، ستجد أنهم ذوو خطاب واحد، أساسه الحرص على الوطن، والدعوة لمن يبذل ويضحي لأجل سلامة الناس، والدعوة بأن يحمي الله جميع البحرينيين في الداخل، ويعيد من في الخارج بالسلامة ويجنبهم المرض والمعاناة، وقد تجد من كنت يوماً تقف منه موقف الضد في الرأي والاتجاه بشأن قضايا معينة، هو اليوم يقف معك كتفاً بكتف وصفاً بصف لأجل البحرين ولأجل سلامتها من هذا التهديد.

نعم، هناك حالات شاذة، ممن سيرى في المشهد فرصة لممارسة هواية التقسيم وتفتيت المجتمع، وضرب الناس بالناس، وهؤلاء باتوا معروفين، ويصدحون بخطاب نشاز بالنسبة للوقت والتحدي الذي تواجهه البحرين وأهلها، هؤلاء لا يمثلون الوطن ولا أي شيء يرمز لمحبته والخوف عليه.

قد يكون فيروس كورونا وحدنا بشكل ما، لأن تهديده يطال وطن، ويطال أفراد مجتمع لن يفرق بينهم -أي التهديد- بناء على أية اختلافات وتصنيفات. قد يكون وحدنا بسبب تشاركنا الخوف على بلادنا وعلى مصير أبنائنا وعلى مصيرنا الواحد.

الوطن غالٍ ولا يعوض إن ذهب، وأساس ثباته وقوته هم أهله وأناسه إن هم استوعبوا بأن تلاحمهم وتكاتفهم هو الدرع الذي يحمي بلادهم، فبقاء الوطن واستمراره قوياً ومحصناً هو الأساس، وبعد ضمان ذلك لنختلف وننتناقش ونتجادل بالأسلوب الذي يجعل للاختلاف قيمة إيجابية، إن كان هدفه تحقيق الأصلح والأفضل للوطن وكل أهل الوطن.

حفظ الله كل إنسان يعمل اليوم ويتصرف بناء على حبه لهذا الوطن، ومن منطلق انتمائه إليه، الوطن هو أغلى ما نملك، ووحدتنا التي تسمو على تبايناتنا واختلافاتنا هي أمضى سلاح نملكه لحمايته.