عندما ارتفعت نسبة المصابين بمرض «فيروس كورونا»، واجهت أغلب دول العالم إشكالية الطاقة الاستيعابية لمستشفياتها وكوادرها الطبية، لم يكن ذلك من قصور وإنما لهول ما جاء من أعداد شكلت نسبة عالية من مواطني تلك الدول ومقيميها ووافديها، فبات الحديث عن الطاقة الاستيعابية متداول لفترة ليست بسيطة، ولعل ذلك قد مسّ الكوادر الأمنية في أغلب الدول أيضاً ما جعل أغلب تلك الكوادر في حالة استنفار وطالت ساعات دوامهم على نحو شاق للبعض منهم فقط لتغطية الالتزامات وأداء الواجب تجاه تلك المرحلة الصعبة، ما يعني أن الطاقة الاستيعابية بدت قليلة وإن كانت أعداد العناصر الأمنية لا يستهان بها في أغلب البلدان حول العالم.

يتحدث العالم باستمرار عن الطاقة الاستيعابية في كوادره ومستوى خدماته التي بمقدوره تقديمها لمواطنيه والقاطنين على أراضيه في كافة القطاعات، وتصنف بعض الحكومات والدول أعمار شعوبها ومستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والأكاديمية وفق معايير دقيقة بحيث إن تجاوز النسبة التقديرية المسموح بها لفئة ما قد تشكل عوائق أو تتسبب بأزمات، يعرفها على نحو مفصل علماء الاجتماع والمشتغلون فيه، وهذا أيضاً يأتي وفق منظور الدول لطاقتها الاستيعابية فيما تقدمه من خدمات وفيما يمكنها توفيره من وظائف أو فرص تعليمية وفيما تقدمه من مراكز متخصصة في مجالات مختلفة لتلبية احتياجات كل فئة أو كافة فئات المجتمع معاً.

ربما في زخم حديثنا عن الطاقة الاستيعابية لكل ما لدينا، بما في ذلك أجهزة هواتفنا النقالة ومستوى الطاقة التي تمدنا بها الحكومات في منازلنا وغيرها، نسينا أو تناسينا أن للأرض طاقة استيعابية هي الأخرى، وربما وقفنا ذات حين على الجوانب الغذائية ونقاوة الهواء وجوانب بيئية مادية أخرى، ولكن يبدو أن الأرض قد غصّت بالكثير من الأمور التي وجدت أنه بات لزاماً عليها أن تقوم بعملية ديتوكس صغيرة.

في محكم كتابه العزيز يقول الله تعالي «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ» ولذلك تقوم دورة الحياة على إحداث بعض الزلازل والكوارث الطبيعية الأخرى لتصفية بعض البشر، ويمارس الإنسان نشاطاته الأخرى التي تسهم في ديتوكس الأرض كالحروب والإبادات الجماعية وحوادث القتل المتعمدة وغيرها، ورغم أن كل تلك الأمور تعد كوارث تحل على البشرية إلاّ أنها تعيد توازن الأرض وضبط المقادير عليها.

وعندما اختل ميزان الأرض اليوم ليس من أعداد البشر المتزايدة وحسب، وإنما بكثير من الممارسات التي سادت حول العالم والتي تسيد فيها الشيطان ليبعد الناس عن طريقهم القويم «الصراط المستقيم» جاءت تصفيات الأرض لأنها لم تعد تحتمل المزيد من الفساد، ووجدت أن أفضل رسالة تقدمها لمن عليها تهديد عنيف يهز القلوب والأبدان «فيروس كورونا».

* اختلاج النبض:

وكما نقول للمريض من البشر «أجر وعافية» و«طهور إن شاء الله»، فإننا نرى الأرض اليوم تتطهر وتغتسل من ذنوب أهلها وتعيد توازن طاقتها من جديد من خلال تنظيف عميق جد عظيم.