منذ سنين غابرات، مرت البحرين بأمراض شديدة الخطورة، وحصدت عدداً من شعب البحرين، وتلك الأمراض غزتنا من الخارج، أكثرها حصداً الطاعون، وحسب رواية الوالد رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، إن الناس أصابهم خوف وهلع، من أمسى يخاف ألا يصبح ومن أصبح يخاف ألا يمسي.

في مقبرة المنامة – وهي المقبرة الواقعة إلى الغرب من عمارة الكويتي –، أناس تطوعوا لحفر القبور ومكثوا هناك، وآخرون لنقل الموتى من أماكن وفاتهم إلى المقبرة يحملون النعوش على الأكتاف، وكثر المتبرعون في زمن ما قبل البترول، وكثرة الفقراء، وقلة الوعي الصحي بين الناس، وأطلقوا على تلك السنة اسم سنة الرحمة، لاتكالهم على الله سبحانه وتعالى في دفع هذا البلاء، الذي يخطف أهلهم بلا سابق إنذار، فمن وافه الأجل فهو حسبه، ومن عاش فهو حسبه، ومن لم يصب، عاش ما كتب الله تعالى له أن يعيش من السنين، وبتكاتف الحكومة وأبناء الوطن وقبله عون الله تعالى، رحل الطاعون وترك فينا فجيعة لا تنسى.

والحادثة الوبائية الثانية التي حلت بأهل البحرين، وهي أيضاً قادمة من الخارج، الجدري، وعصف بعدد من شعب البحرين والمقيمين، هذا المرض، - حمانا الله تعالى وحماكم منه - ينتشر في الجسم من أخمص القدمين إلى قمة الرأس، ووصفه، دوائر صغيرة، وأخرى أكبر من ظفر إبهام اليد، داكن السواد يتقيح ويفرز خراجاً كريه الرائحة، يؤذي المصاب وأهله، ثم تنضج تلك الدوائر وتجف، ويسقط قشرها، ويترك ندوباً في الجلد تبقى ما دام الشخص المصاب حياً، وإذا حل هذا الوباء بين أحد أفراد أسرة ما، يرفعون أكف الضراعة إلى الله تعالى أن لا تصاب عيناه، وكثيراً من المصابين، إما فقد عيناً واحدةً، أوالعينين كلتيهما، ومن فضائل الله تعالى أن هذا الوباء، جاء في بداية إنشاء المستشفيات الحكومية، وأولها مستشفى النعيم في المنامة – قبله مستشفى فكتوريا والمستشفى الأمريكي– وكثر الوعي الصحي، وشنت الحكومة حرباً ضروساً ضده، وكان هناك عمل تطوعي من المواطنين، وهيأت الحكومة المحاجر الصحية وعزل المصابين فيما يسمى حينها «كرنتينه»، والبعض ينطقها «الكرنتيلة»، وبذلت الحكومة كل جهدها، وجلبت أطباء ولقاحات مضادة من الهند، مما أدى إلى محاصرته في دائرة صغيرة، والذي لاحظه المواطنون كما قيل، إن البيوت التي تربي بقراً قلت الإصابة بينهم!! ثم ثبت أن اللقاح المستعمل لمكافحة الجدري، ماهو إلا دم يؤخذ من شخص مصاب بالجدري، وتحقن به إحدى الأبقار، فتحتضنه لفترة من الزمن في جسمها، وبمتابعة مركز أبحاث طبي، تتم معالجته، ولتصبح جرثومة أو فيروس الجدري نصف حية، ثم يتحول إلى حُقن آمنة، يطعم بها كل فرد سليم، وكنا نطلق عليه «تشنتر أو توتين»، وعادة محل التطعيم في عضل الساعد، ويبقى أثر التطعيم بائناً مدى الحياة، والذي يصاب بالجدري مرة، تتكون لديه مناعة، فلا يصاب به مرة أخرى! وقد قُضي على هذا المرض قضاء نهائياً، واختفى منذ عشرات السنين عالمياً.

كما تعرضت البحرين إلى مرض الدرن الرئوي والسل، وأيضاً مرض الكوليرا - في أوائل الستينيات من القرن الماضي - ولم نسمع عن ضحايا للكوليرا، إلا أن البحرينيين ما أن علموا بذلك، سارعوا إلى أخذ التطعيم اللازم.

الآن، وبسبب تقارب الشعوب وتنقلهم من بلد بعيد إلى آخر بعيد أيضاً، وسرعة وسائل النقل، أهمها الطائرات، تنتشر الأمراض بين الأمم أيضاً بسرعة.

فيروس كورونا منشأه الصين، وتحديداً في مدينة ووهان، ومنها غزا المدن الصينية الأخرى، وانتقل إلى البلدان المجاورة في جنوب شرق آسيا، وحسب منظمة الصحة العالمية، إنه وباء عالمي، إذ إن بلدان كثيرة، رصدت فيها حالات هذا المرض، ومن أعراضه الحمى الشديدة والسعال وضيق التنفس.

كيف وصل إلى البحرين؟

تفشى هذا المرض في إيران، وتكتمت عليه، وأصابت العدوى بعض من مواطني البحرين المتواجدين هناك دون علمهم، وبعد عودتهم إلى البحرين، بانت عليهم أعراض فيروس كورونا، ولخطورته على المصاب وأهله وجماعته وأصدقائه، اُكتشفت حالة، وسارعت وزارة الصحة إلى احتوائها، ثم تبين أن المرض كان متفشياً في إيران منذ فبراير 2020، فجندت وزارة الصحة فرقاً لمكافحته وبالتعاون مع المستشفى العسكري، وحصره في نطاق ضيق وقبل أن يستفحل، ومثلها عملت وزارة الداخلية، ودعت عدداً من رجال المجتمع، ومنهم أئمة المساجد والمآتم، وأصحاب المجالس وعدداً من المواطنين، إلى التعاون معها، بإغلاق أماكن تجمعهم لمدة 14 يوماً وقاية للجميع من العدوى، ومن ثم إلى الموت لا سمح الله، وكذلك أَغلقت وزارة التربية والتعليم المدارس والجامعات لنفس المدة.

إن تحرك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بهذه السرعة المبتغاة، دليل على أن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، أعطى أوامره السديدة والعاجلة، وأن جلالته يهمه كل مواطن، وأن المواطنين كافةً عليهم واجب مساعدة القيادة والحكومة في حربها ضد هذا المرض، الذي أتانا من خارج الحدود، وأن مقولة صاحب السمو الملكي ولي العهد «وحدتنا في قوتنا، وقوتنا ليست قوة فرد، بل قوة وطن واحد»، تؤكد ضرورة أن نستجيب للأوامر، وننفذها بحذافيرها لسلامتنا وسلامة أهلنا في الوطن الغالي العزيز، ولنتذكر الحكمة البالغة «الوقاية خير من العلاج»، و«قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، وقول الرسول الخاتم وهو يناجي ربه «الخير كله إليك، والشر ليس إليك»، فاتقوا الله ما استطعتم، فلا تظالموا، فإن تظالمتم وقع فيكم العذاب.