لن أسهب في الحديث عن تململنا مما كنا عليه من أوضاع في وقت سبق فيروس كورونا، تلك الأوضاع التي نتمنى اليوم أن نعود إليها واكتشفنا أنها نعمة لم نكن نستشعرها من ذي قبل، فقد تناول كثيرون قبلي الحديث في هذا السياق وسبقوني إليه، وبينوا كيف أننا كنا نغفل عن كثير من الأمور التي ظنناها روتينية أو لا قيمة لها ووجدنا فيها قيمة عظيمة، فقبلة على جبين والدتك كانت نعمة لا يمكنك التمتع بها اليوم، احتضانك لأطفالك نعمة لا تقدر على ممارستها في الوقت الراهن من باب حمايتهم من نفسك..!! تنفسك بأريحية وأمان كانا نعمة استهتر بها كثيرون وقالوا إن الهواء بالمجان، وها هم اليوم يخافون حتى من شهيقهم في بعض الأمكنة..!! لقد استشعرنا قيمة تلك النعم التي فقدناها اليوم وكنا ننعم بها بالأمس، ولكن هل فكرنا كيف يمكننا العودة لما كنا عليه وتوديع رسالة فيروس كورونا على الأرض؟ لعل ثمة رسالة ما زالت عالقة وصار من المهم تلقيها الآن.

جاء في الآية السابعة من سورة إبراهيم «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»، ذلك قانون كوني مهيب، ربما غفلنا عن تطبيقه في حياتنا اليومية العادية، وأصبح من المهم الالتفات إليه اليوم بقوة، فلنشكر الله على ما آتانا من نعم، حتى تلك التي لم تعد لدينا اليوم، فزيادة النعمة بشكرها، ولنعيد النعمة إلى حياتنا من جديد، ما علينا إلاَّ أن نشكر على ما لم نؤدِ شكره من قبل، فلنشكر الله على كل التفاصيل الصغيرة التي لم نعد نمارسها اليوم، ولنشكر الله على نعمة الصحة والأمن، ولنشكر الله على ما نتمتع به اليوم من فرص للتطوير ومن حكومات مسؤولة ومتفانية ومعطاءة لشعبها، ولنحمد الله على إخلاص كوادرنا الطبية وعناصرنا الأمنية وكل المشتغلين في مواجهة فيروس «كورونا»، ولنحمد الله على أننا في بلد ما زال فيه وفي أهله الخير، وما زالت «الفزعة» حاضرة بين الناس ما جعل المتطوعين يلبون نداء الوطن في أقسى الظروف على الدوام.

* اختلاج النبض:

ها نحن بتنا الآن ندرك قيمة الحياة التي نحياها ونثمنها، وها نحن ملكنا أدوات التطور بما أتيح لنا من فرص وأوقات فراغ مضاعفة، فضلاً عن تلقينا لرسائل فيروس كورونا التي تفيد بأن تغيروا وتطوروا وأعيدوا النظر في كل تفاصيلكم وممارساتكم صغيرة وكبيرة. وبعدما كنا نطرح سؤالاً «كيف تقضي وقتك في الحجر المنزلي؟»، صار من الأجدى أن نسأل الآن «ما خططك لما بعد انقشاع سحابة فيروس كورونا؟». وبلا شك فإننا اليوم أمام خيارات نوعية تنقلنا ليس للعيش وحسب، والقول بأن كُتِبَت لنا أعمار جديدة، وإنما لضمان جودة الحياة والتحليق في فضاءاتها الواسعة، فما ضاقت إلاّ اتسعت، و«عند الله سعة».