عقب أحد الأصدقاء على مقال الأسبوع الماضي «كورونا ما قبلها وما بعده»، قائلاً: «لقد طالعت المقال الذي تحدث عن تحول من رحم الأزمة الراهنة، بصدد التخلق، ومع أنني قد رصدت مؤشرات تؤذن بأن أزمة فيروس كورونا سيكون لها ما بعدها. وهو أمر أجدد تأكيده هنا، لكنني، مع ذلك، وعلى خلاف بعض المستعجلين للتحول نحو عالم جديد، لا أظن أن ذلك سيكون سريعاً أو يسيراً أو بلا مقاومة من المستفيدين من العالم القائم، هذا فضلاً عن أن مبادئ وتوجهات وملامح هذا العالم الجديد، ستأخذ وقتاً للتبلور في تيار صاعد، ولتستقطب القوى على صعد مختلفة التي ستضغط من أجل فرضها، بديلاً «أكثر إنسانية وإنصافاً واستدامة». ومن ثمة، فإن وجهة نظري هي أن جنين التحول قيد التكوين ليس إلا، لكن اكتمال شروط هذا التحول ستأخذ وقتاً»..

كتبت للصديق:

صحيح أن التحولات لا تزال جنينية، وهي بصدد التخلق إلا أن بوادرها قد بدأت تلوح في الأفق، ومن ذلك أن المجتمعات أيام المحن تستخلص الدروس وتدفع باتجاه تغيرات، بعضها دراماتيكي وبعضها تدريجي. فقد غير طاعون 1348 مثلاً كل شيء في أوروبا، فأعطى دفعاً قوياً لفكر النهضة الناشئة، جعل الناس يستشعرون أهمية الحاجة إلى النظام لإدارة الأزمات، وتجاوزوا سلطة الإقطاعي لصالح سلطة الدولة الحديثة المدنية، لأنها الأقدر على مجابهة الوباء، وابتعدوا تدريجياً عن الكنيسة وعن الطوائف الدينية، وظهر التذمر من سلوك رجال الدين وادعاءاتهم وأكاذيبهم، وتخلوا تدريجياً عن شراء صكوك الغفران. وقد تطلب ذلك وقتاً طويلاً فاق القرنين، لكن في المحصلة لم تعد أوروبا بعد ذاك الطاعون الشهير الذي ذهب بأكثر من ثلث سكانها كما كانت قبله. ولذلك فإن عالم ما بعد فيروس كورونا قد لا يكون كما كان قبله، خاصة إذا استفحل هذا الوباء وطال أمده. قد لا يتعلق التغيير بالجانب الديني فقط، لكن بالجوانب الأخرى. ومنها تعزز مكانة الدولة -الأمة، وقد بدأت بوادر الانشقاق بين أعضاء الاتحاد الأوروبي تترجم ذلك، كما أتوقع أنه سيكون من الصعب إقناع الناس بالتخلي عن إجراءات الرفاه الاجتماعي أو عن الدولة الراعية، إضافة إلى احتمالات تغير خارطة التحالفات بين الدول....

علق الصديق معقباً:

- باختصار فإن التغيير آتٍ لا محالة، ولكن قبل ذلك أو الوقوف عند ملاحظتين:

- الأولى: اتضاح الدور السلبي لديكتاتورية رأس المال في العالم. وكان واضحاً أن عدداً من الدول الغربية الكبرى قد باتت تعاني من العديد من السلبيات التي أشار إليها العديد من المفكرين منذ سنوات عديدة، ولذلك عم فيها الوباء بالرغم من الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها هذه الدول.

الثانية: تتعلق بنا كعرب وكمسلمين، فإننا من الشعوب التي لم تستفد من ماضيها، ولا من حاضر الآخرين المتقدمين، ولذلك تنتشر بيننا مغالطات كسولة وخرافات سخيفة، تحول دون النظر إلى مستقبلنا بشكل موضوعي، مثل القول: «إن كورونا عقاب إلهي على ذنوبنا»، مما يذكر بموقف الكنيسة من الطب في القرون الوسطى، عندما حرمت التطبيب واعتبرته مخالفاً للإرادة الإلهية، وأن الإنسان يجني ما استحقه من عقاب، ولذلك تم تحجير استعمال العقاقير والأدوية، واعتبر الإقرار بالذنوب وطلب الغفران أهم وسائل العلاج، ولكن خلال الحروب الصليبية اطلع المسيحيون على الطب العربي - الإسلامي، وقاموا بترجمة العديد من الكتب المهتمة بالطب، وبقيت المعارف الطبية العربية هي المعتمدة في أوروبا حتى نهاية القرون الوسطى. لقد تعلم الأوروبيون من العرب المسلمين أثناء الحروب الصليبية أن الشفاء من المرض يكون بالمداواة، وباحترام الإجراءات الطبية، وتعلموا منهم بناء المستشفيات وأخذوا عنهم كتب الطب والأدوية والصيدلة.

* همس:

في الطريق، التفت،

وانزع قناعك،

فزماننا أقنعة على شفا المجهول.

أسئلة الصمت والغيب،

والكؤوس ملآى،

والوجوه الكئيبة

كشرت عن أنيابها،

وتراءت ملامح الشيطان

في عيون الملائكة.

فألعن زماناً

غذا الحلم فيه

حقيبة سفر

بلا عودة.