قبل أيام كنت أتناقش مع أبنائي حول أحلامهم ورغباتهم، التي ترتكز هذه الفترة بأن يكون لنا بيت فيه «بركة سباحة»، أماني الأطفال جميلة وأحلامهم قد تبقى أحلام.

ولهذا قلت لأبنائي بأن حلمهم ليس بمستحيل إلا أنه يحتاج إلى كثير من العمل والجهد «مسوي نفسي أب حكيم»، وأن عليهم الاجتهاد في التعليم والتميز في المستقبل حتى يحققوا غايتهم. وببساطة يسأل ابني، «هل ننتظر كل هذه السنوات من أجل أن يصبح عندنا بيت فيه بركة سباحة ؟». وهنا أقرر أن أنهي دور الأب الحكيم وأعود لحقيقتي «الأب الصريح» وأقولها لهم بصراحة، «بيت فيه بركة يعني بيت فيه حوش، يعني مبلغ كبير».

لحظة فيها صمت جماعي ويعود ابني بسؤال آخر، «يعني أنت ما عندك بيزات!!». لأضطر أن أقول له عندي ولكن المبلغ الذي معي لا يكفي لشراء منزل فيه بركة سباحة، «ولا حتى بركة بدون منزل».

هنا يقرر ابني ناصر مد يد العون لأبيه، ويقول «خلاص بابا، أنا بفتح قناة في اليوتيوب وبصير يوتيوبر، وبتصير عندي فلوس وايد وبعطيك علشان تشتري بيت». وبكل حزم أقول لابني «هذا ليس بعمل ولا هو مستقبل، هل تريد أن تجلب لي العار! بأن تصبح يوتيوبر!، عليك أن تدرس ثم يكون لديك عمل تحقق منه مدخولاً، وفكرة اليوتيوبر ليست بعمل ولا هي مستقبل حتى».

اليوتيوبر ليس بعمل! لم أكن مقتنعاً بإجابتي لابني، وأنا أشهد في السنوات الأخيرة أن مجال الإبداع هو أكثر ربحية وأكثر حضوراً. صناعة المحتوى وبخاصة صناعة الترفيه سوق لا يكسد، وهو نهج اتخذته كبرى الشركات العالمية، مثل نتفلكس والتي تعتبر من أكبر صناع الترفيه في العالم، والتي سحبت البساط من تحت كثير من المنتجين التلفزيونيين، سواء للأفلام أو المسلسلات، كما أن خصوبة هذا السوق دفع شركة مثل أمازون المتخصصة في التسوق إلى إيجاد فرع ترفيهي، والذي حقق نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة.

فلماذا قناعتي كأب أن المستقبل هو بالتعليم التقليدي وإيجاد وظيفة يتدرج فيها ابني سنوات طويلة حتى يصل لمرحلة يكون بينها مخيراً بين «قرض» للسيارة أو للزواج؟!

لماذا لا أفكر بأن أجعل من هواية ابني وإبداعه خطاً موازياً للتعليم وداعماً له، التعليم إذا كان لا يتجاوز فكرة وهدفاً وضعها شخص ما في قبل عقود ولا يزال محبوساً بين أخي عامر وأختي أمل، لن يكتشف بأن ناصر يستخدم جهاز حاسوب ويخاطب إيزابيلا. ليس لأنه اعتمد فقط على التعليم بل استغل إبداعه.

حقيقة نتغافل عنها تماماً نحن العرب أن الإبداع والاحتراف أكثر أهمية من التقليدية، قد تكون الوظيفة أكثر أماناً ورغبة لدى الناس، إلا أنها في النهاية تقف عند نقطة وحدود، تجبرك أنت أيها الموظف بأن لا تتجاوز فيها حتى طموح أن يكون لديك منزل فيه بركة سباحة!