«أمي تسلم عليكم وتقولكم هذي نقصتكم من إفطارنا».. جملة ترافقت مع أيام الشهر الفضيل، كجزء رئيس من تراث بحريني أصيل اعتادت عليه العائلات، فما يكاد ينطلق مدفع الإفطار حتى تمتلىء المائدة بشتى الأصناف، هذا «مجبوس أم عبدالله»، وهذا «هريس أم فهد».. وثالث «لقيمات أم حسين».. ورابع وخامس...

استحضرت هذه الصورة وغيرها العشرات من الصور التي ازدحمت بها ذاكرتي قبل أن أشرع بكتابة هذا المقال، بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وهي ملامح سنوات ماضية وما تختزنه من الذاكرة من عادات وتقاليد، كانت ولا تزال، تشكل جزءاً رئيساً من تراثنا الأصيل في هذا الشهر الكريم، خصوصاً مع تفشي انتشار فيروس كورونا حول العالم، وما تركه من آثار اجتماعية دفعتنا مجبرين إلى التخلي عن بعض تلك العادات التي رافقت طفولتنا.

يعود رمضان هذا العالم وقد أجبرنا على تغيير سلوكيات وعادات لازمتنا لعقود وقرون، فرمضان هذا العام سيكون دون تراويح في المساجد، هذه العبادة الروحانية التي تمثل أهم ملامح هذا الشهر.. رمضان دون جمعات العائلة الكبيرة ودون مجالس أو غبقات جماعية أو قرقاعون أو موائد الإفطار الجماعية في المساجد ودون زيارات عائلية..

ومع كل ما افتقدناه في رمضان المبارك، لا بد لنا أن نشكر الله على ما أعطانا من نِعم، فالصحة والعائلة والأمن أهم عطايا الله، ولأننا نؤمن بقضاء الله وقدره، نؤمن بقدرتنا على تجاوز هذه الأزمة بالتزامنا بالاجراءات الاحترازية والقرارات الصادرة عن الجهات المعنية، وبقدرة فريق البحرين على التعامل مع تطورات هذا الوباء.

يتملكني إيمان مطلق أننا سنتجاوز هذه الأزمة ونعود مرة أخرى لممارسة حياتنا الطبيعية، نجتمع من جديد مع أهلنا وأصدقائنا وأحبائنا، ونعيد رسم مستقبلنا وحياتنا وبما يتوافق مع الدروس والعبر التي مررنا بها طيلة الشهور الماضية، حيث أجبرنا على تغيير عديد من السلوكيات السلبية التي اعتبرنا صعوبة تغييرها.

رمضان شهر الخير والعطاء والسلام، هو أحد الأشهر الحرم، حيث كان العرب في الجاهلية يعظمونها فلا يتقاتلون ولا يعتدون فيها، كجزء من تقاليدهم وعاداتهم غير المرتبطة بالدين.

فما أحوجنا نحن اليوم، أصحاب الرسالة المحمدية الخالدة، أن نعيد لهذا الشهر الفضيل قيمته الإنسانية، كما أرادها الله عز وجل ونادى بها رسوله الكريم، عليه الصلاة والسلام، بأن نجعل التراحم والتعاضد ونبذ الخلافات والعصبية، لنكون كما أمرنا كالجسد الواحد.

أقفلت أبواب المساجد وعلقت الصلوات فيها، لكن باب الرحمة لا يزال مفتوحاً، وليكن رمضان هذا العام فرصة لنا جميعاً لنعيد ترتيب علاقاتنا ونستذكر من حولنا ممن تضرروا بانتشار الفيروس، ومنهم من تحسبهم أغنياء من التعفف.

* إضاءة..

يشغل الجميع الشوق إلى صلاة التراويح في المساجد وإلى جمعات رمضان مع الأهل والأصدقاء وما فقدناه بسبب هذا الوباء العالم، لكن لنتذكر أن هناك من نذروا أنفسهم لحمايتنا، وضحوا بكل شيء لأجل هذا الوطن وأبنائه.

ولتكن دعواتنا في شهر رمضان لأبناء وبنات البحرين في الصفوف الأمامية، أطباء وممرضين وكوادر صحية ورجال أمن، والذين يصلون الليل بالنهار لحماية البحرين من شر الوباء وتجنيبنا البلاء، ولنتعلم منهم أسمى معاني التضحية والفداء والإنسانية حتى تزول الغمة..