مع مطلع عام 2020 وجدنا أنفسنا أننا نمنا في عالم واستيقظنا في عالم آخر. البعض بدأ يغبط الطيور على حريتها خلال فترة الحجر الصحي، كما فعل أبو فراس الحمداني عندما خاطب الحمامة وبث لها همومه. والبعض الآخر بدأ يشعر بحالة الوحدة وانعدام الوزن والخوف من المجهول على صعيد الاقتصاد والمجتمع. وفي خضم الأزمات يراوح الإنسان بين حالات التخلي عن أفكار قديمة والتحلي برؤية جديدة للخروج من قاع البئر أو بطن الحوت. الناس والأمم تختار مسارات نجاحها عبر عملية عميقة من التأمل والفهم والتفكير والتقدير «إنه فكر وقدر» ويختار الوجهة «ولكل وجهة هو موليها» حسب فهمه للماضي واستشرافه للمستقبل. في زمن الجائحة هناك ضرورة لصياغة مدارج السالكين للقرن الحادي والعشرين لفهم عبرة التاريخ وسبل اللحاق بركب الأمم الناجحة وبمركب النجاة من الطوفان. أود أن ألقي الضوء على بعض مدارج السالكين لعبور جائحة فيروس كورونا (كوفيد19).

المنزلة الأولى: هي إدراك الأثر البعيد والعميق لخياراتنا وأفعالنا الفردية على الأرض والبيئة. فلقد شهدنا مع بدء الجائحة وبعد حوالي شهر واحد فقط مدى تعافي الكون من التلوث الهوائي بنسبة حوالي 25% في الصين. وشاهدنا كيف أن خللاً واحداً في منظومة الغذاء أو المعايير الصحية أو أخلاقيات المهنة قد يقلب العالم رأسا على عقب. بعد أن ظننا نحن البشر أننا قادرون على بناء المدن والبيوت والسيارات الذكية المعتمدة على الذكاء الصناعي، يأتي هذا الفيروس كي يعيد برمجة نظام التشغيل «Operating System» للأفراد والمجتمع والأمم كافة. ويحفزنا هذا الفيروس على أن نفكر من نحن وما هي القيم التي نؤمن بها. شهدنا في هذه الجائحة معاني نظرية الفوضى، وفيزياء الكم وتأثير جناح الفراشة. شاهدنا تهاوي كل مكعب من مكعبات الليجو «LEGO» في الاقتصاد والأسواق والمجتمع وشهدنا أنه رغم الفوضى والهشاشة الظاهرة للعيان هناك نظام محكم دقيق يحفظ توازن الكون إذا احترمنا وراعينا مبادئ وعلم الاستدامة. خياراتنا الشخصية من أكل وشرب وعمل تشّكل العالم الذي نحيا به لذا علينا مسؤولية للجيل القادم لتوريثه كوكباً قابلاً للعيش. وللحديث بقية.

* رئيس قسم إدارة الابتكار والتقنية – جامعة الخليج العربي