نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن منازل الفهم في جائحة كورونا (كوفيد 19).

المنزلة الثانية هي فقه التعايش مع المفارقات والأضداد «والضدّ يظهر حسنه الضدّ». ففي الوقت الذي نعيش فيه وسط غابة من وسائل «التواصل الاجتماعي» تفرض الجائحة سياسة «التباعد الاجتماعي». هذه المفارقة والتضاد بين حالة التواصل والتباعد ضرورية لاستدامة الحياة. فمن ناحية علينا أن نتباعد كي ننجو وبنفس الوقت علينا أن نتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي كي نحيا. وبين النجاة والحياة تكمن فلسفة عبور الجائحة. ونرى أنّ جوهر الحياة يكمن في حالة الثنائية في الكون كما هو ماثلٌ على مستوى الشحنات السالبة والموجبة في الذرة وعلى صعيد البرزخ الذي يفصل الماء العذب والمالح في البحر تماماً كما هو الخيار بين الحكم الرشيد أو السلطوي أو بين استخدام الطاقة الأحفورية أو المتجددة. وكذلك نرى هذه المفارقة في تبدّل المعاني والمفاهيم في المنع والعطاء «لأنه متى فتح لك باب الفهم في المنع كان المنع عين العطاء كما ورد في الحكم العطائية». وعشنا في هذه الجائحة تبدّل الأدوار في عملية التعلم عن بعد حيث جعلت المدرّس بعيداً وبرز دور الأهل في عملية التعلم عن قرب. من المهم أن نتريث في خياراتنا في ظل الجائحة لأنها ستصبح هي النمط السائد في العيش بعد أفول الأزمة.

مجاديف النجاة والحياة في هذه الأزمة ترتكز على التفكر والتفكير بالآخر «أنا لأنك أنت» وعلى العطاء التكافل والتراحم والتواصل وصلة الأرحام والكلمة الطبية. فقه التعايش بين الأضداد نعاينه في العلاقة بين جيلين «جيل الشباب الرقمي وجيل الكبار من اللاجئين الرقميين»، والذي يقتضي نسقاً من المواطنة الرقمية والأخلاقيات التي تغرس الأمل وتعزّز ثقافة التواصي بالحق والصبر. عبورنا لبرّ الأمان والسلامة يرتكز على فقه التعايش مع جملة من المفارقات في عالم الأفكار والأشياء حتى نصبر على ما لم نحط به خبرا.

* رئيس قسم إدارة الابتكار والتقنية – جامعة الخليج العربي