نواصل في الجزء الثالث من المقال حديثنا عن منازل الفهم في جائحة كورونا (كوفيد 19).

المنزلة الثالثة هي فقه جلب المصالح العامة وفقه الأولويات والموازنات. عندما أتأملُ تقلبات الزمان والأحوال خلال نصف قرن أجدُ نفسي شاهداً على تداعيات النكسة عام 1967، وحرب لبنان وحروب الخليج وانهيار جدار برلين، وتفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط بغداد والحروب على غزة وتداعيات الربيع العربي بعد2011، ولكن جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19) فريدة ومختلفة من حيث عمق الأثر واتساعه وتداعياته. هذه الجائحة تجعلنا نحدّق في المرآة ونراجع مسار حياتنا ونراجع مسار البشرية ونمط التنمية ومعنى وجودنا وإسهامنا الحضاري كأمة وسط وعليها أمانة الشهادة على الناس. وهنا تبرز أهمية فقه المقاصد والتأكيد على أولوية تقديم حفظ النفس على المال وضرورة مراعاة المصالح العامة والمرسلة.

تواجه البشرية تحديات عديدة من البقع العمياء في النظام المالي والاقتصادي والاجتماعي فنجد أنّ حفنة من أثرياء العالم تمتلك ثروة تعادل ما يملكه نصف سكان الأرض ونجد طغيان فكر الرأسمالية المتوحشة الذي برز في الجائحة في فكرة مناعة القطيع واحتكار براءات الاختراع واحتكار استيراد الأجهزة الطبية وتجارة السلاح والرقيق الأبيض والمخدرات تحت مبرر النمو الاقتصادي وتراكم الثروة وتحقيق السعادة الزائفة التي تسرّعه العملة الرقمية وسوق البورصة. فقه جلب المصالح العامة يقتضي حماية الفقراء والمهمشين وأصحاب المهن الحرفية والصغيرة والمزارعين والصناعين، ومساهمة من يملك لدعم من يعيش على قوت يومه ولا يأبه من كسر الحجر الصحي لأنّ هناك أفواهاً جائعة تنتظر وجبة آخر النهار.

* رئيس قسم إدارة الابتكار والتقنية – جامعة الخليج العربي