عايشت عن قرب العديد من حالات المتعسرين و المتعثرين مع التزاماتهم المالية السنة الماضية في حملة عيدهم في بيتهم، وهذه السنة في حملات التبرع من أجل إطلاق سراح المسجونين منهم أو الذين عليهم أحكام تنفيذية بالحبس أو بإغلاق حساباتهم ومنع السفر مع حملة فاعل خير، ووجدت أن العديد من المعسرين والمتعثرين بسطاء جداً في مستوى وعيهم وإدراكهم، ومع الأسف العديد منهم تنقصهم الخبرة والأهم ينقصهم حسن التدبير والوعي الاستهلاكي، بل حتى أنهم يجهلون حقوقهم ويجهلون القانون... ويقعون تحت طائلة القاعدة العامة «القانون لا يحمي من يجهله».

بعض الحالات كانت مدينة لبنوك وبعضها مدين لمؤسسات مالية وأفراد تبيع السلع بالتقسيط، وهناك أمثلة من الحالات المتعسرة وقعت لنساء كبار ورجال كبار في السن وقعوا تحت طائلة الشراء بالتقسيط سواء من مؤسسات مرخصة أو من أفراد، وهذه قصة تحتاج إلى (قعده) لأنها خلفت مآسي لا حصر لها تعاني منها مئات الأسر الآن وتقف العدالة عاجزة عن إنصاف هذه الفئة ومساعدتها، ويجد المقرضون ثغرات قانونية سمحت لهم بالاستمرار في عملية الإقراض وجني الفوائد دون سقف حتى تضاعف القرض إلى عشرات الأضعاف من القيمة الأصلية، فهناك نشاط تجاري لهؤلاء المقرضين يسمح لهم بشراء السلع و من ثم بيعه على صاحب الطلب بالأقساط، ويفرض عليه توقيع سندات يقنعه أنها سداد بالأقساط الميسرة ويأخذ منهم قسطاً أو اثنين ثم يغلق محله ويختفي ويترك أقساط المساكين تتراكم عليهم، فتجد امرأة كبيرة في السن اشترت غسالة بقيمة 200 دينار على أن تدفع عشرة دنانير شهرياً، ولا تعلم أن دينها تراكمي وبعد مرور سنة أو أكثر تفاجأ بإحضارية تطالبها أن تدفع للمقرض المقسط 2000 دينار!! وهناك أحكام بالحبس على أمثال عديدة لهذه السيدة قضاياهم عالقة في أروقة المحاكم التنفيذية ومقرضيهم تتراكم حساباتهم البنكية حتى وصلت إلى الملايين، والقانون عاجز عن معالجة هذه المشكلة ونحن لا نتكلم من فراغ!

أما القروض الشخصية من البنوك فقد وصلت في البحرين عام 2018 إلى 4.1 مليار دولار - لم أتمكن من الحصول على الرقم لعام 2019 - إنما هناك شباب اقترضوا من البنوك مبالغ كبيرة دون دراسة تبعات الاقتراض ورسموا خططهم بناء على أحسن السيناريوهات ولم يضعوا في اعتبارهم أنه حتى المخاطر والمجازفة أيضاً لها حسبة لا بد أن توضع بعين الاعتبار، وأن تنظيم الأمور المالية بعد الاقتراض ليست مسألة كمالية، (فشربكوا) أنفسهم بقرض يليه قرض وقرض لتسديد قرض حتى عجزوا عن السداد ووقفوا عاجزين يرون الأحكام تصدر ضدهم واحداً تلو الآخر.

وهناك من يقترض باسم زوجته بعد أن تمنحه الوكالة ثم يعجز عن الدفع بل يعجزون ويجهلون كيفية معالجة الأزمة منذ بدايتها وكيفية التصرف فيتركونها تتفاقم وتتضاعف حتى تقع الكارثة فتحبس الزوجة لأن القرض باسمها.

في النهاية .. بغض النظر عن ضرورة القرض المالي من عدمه و بغض النظر عن الحاجة الفعلية لأسباب الاقتراض فهناك المضطر فعلاً لأسباب قهرية، وهناك من يخاطر ويجازف بشكل يفوق طاقته التسديدية وهناك من يقترض لكماليات، تعددت الأسباب والاقتراض واحد والعجز عن سداده في النهاية واحد، لهذا فهناك حاجة ضرورية جداً للتوعية والوصول لهذه الفئات البسيطة جداً في وعيها وإدراكها لشرح التبعات والاحتمالات قبل التوقيع، على أن تقدم هذه الخدمات مجاناً وطوعاً لأن أغلب هذه الفئات بسيطة ولا تملك قيمة الاستشارات المالية.

وهذه مهمة لن تقوم بها جهات الإقراض، فأقصى ما نظمه المصرف المركزي هو توحيد الرسوم الإدارية للقروض الشخصية منعاً للتضارب و الاختلاف بين البنوك، لذلك لا نتوقع أن تعني هذه المؤسسات بتوعية المقترض فهي بالعكس تمنح التسهيلات التي تجذب الأفراد على الاقتراض وغير معنية بإدراك المتقدمين لتبعاته القانونية.

الأمر بحاجة أولاً لمراجعة التشريعات الخاصة والمتعلقة بالشراء بالأقساط كنشاط تجاري يحتاج إلى ضوابط يمنع سوء الاستغلال الحاصل الآن.

وبحاجة لإعادة النظر في مسألة القروض الشخصية وتعزيز عملية الاستشارات المالية لتلك الفئات لزيادة الوعي الاستهلاكي، بل يجعلها شرطاً من شروط الاقتراض، لنمنع مآسي أسرية حطمتها وتركتها تحت رحمة الذل والمهانة، فالدَين هم بالليل وذل بالنهار كما يقال.