هي ملاذ الحياة على مر الأزمان فبالرغم من اختلاف الأماكن والبشر ومع اختلاف أذواقهم وتعددها إلا أنهم لا يرتقون إلا بما يقرؤون. يرتبط جزء من إدارة غذاء عقل الإنسان بالأفكار التي يحدّث نفسه بها وجزء منها يرتبط بما يشاهد ويسمع ويقرأ.

إن القراءة جاءت لتكون أول أوامر السماء للأرض «اقرأ»، نعم اقرأ، اقرأ بشرط أن تكون قراءتك شاملة في التاريخ والكون والخليقة، بشرط أن تنتقي ما تقرأ، نعم تنتقي ما تقرأ لأنها عتبتك الأولى لارتقاء فكرك، ولا تنسَ أنك تملك دماغاً جباراً بمثابة أرض خصبة متى ما تزرع فيها من أفكار ومعلومات تحصد أفعالاً وتدير مواقفك مستقبلاً بأحسن تدبير. القراءة عبر العصور لها تأثير مباشر على تاريخ الإنسانية بل وتطوير الجينات ولها دور في طريقة تفكيرنا وكيف نتذكر ونتفكر ونعمل.

تبين التقنية الحديثة لتصوير الدماغ أنه حرفياً خلال ثوان فقط من بداية قراءة كتاب تندفع آلاف من خلايا الدماغ للعمل، بعضها ينشط ويقوى وأخرى جديدة تبدأ في التكوين لتغير من شكل الدماغ مدى الحياة، هل تعلم أن كل هذا يحدث عندما تفتح كتاباً لتقرأ!

القراءة تحث الدماغ على تكوين صور في كل شي يقرؤه الإنسان وأثناء القراءة يقوم الدماغ باستقبال هذه الصور وكأنها واقع يعيشه لتعطيه فرصة أن يعيش أحداثاً وتجارب دون أن يعايشها حقاً على أرض الواقع فهي بذلك تؤثر في طريقة تفكيره ومشاعره تجاه العالم من حوله.

ففي دراسة بجامعة «Emory» قارنوا الرنين المغناطيسي الوظيفي لمجموعة عند سماعهم لكلمة مجازية مثل «كان يوماً قاسياً» مقارنة لسماعهم لجملة «كان يوماً سيئاً» فوجدوا أن المنطقة التي فعلت عندما ذكرت كلمة قاسٍ هي المنطقة المسؤولة عن لمس الأشياء، فهذا دليل تفاعل الحواس بما نقرأ فنتفاعل ونتجاوب فسيولوجياً مع الأشياء المجازية التي نقرؤها.

ويأتي دور القراءة كبيراً كونها تؤثر تاثيراً فعالاً مباشراً على صناعة أخلاق الإنسان بناءً على الكتب التي يقرأ. فقد لاحظ باحثون من جامعة «Carnegie Mellon» طريقة تطور دماغ الطفل بعد قراءة مركزة لمدة 100 ساعة، فوجدوا زيادة ملحوظة للمادة البيضاء المسؤولة عن التواصل داخل الدماغ.

وفي دراسة أجريت عام 2009 بجامعة «Sussex» ببريطانيا وجدوا أن القراءة العميقة وبحب تريح الإنسان من عناء الحياة وتقلل من التوتر العقلي والنفسي وأن نصف ساعة من القراءة المتعمقة تقلل التوتر بنسبة 68% وتعد أكثر فعالية من أي وسائل أخرى.

اليوم حان الوقت أن تتعاون الأسرة مع أبنائها وخصوصاً في ظل هذه الظروف الراهنة، وبوجود فراغ كبير وممل، لتجعل القراءة منهاج حياة، وباحتضان الكتاب صاحب أسمى أنواع المعرفة، إقرؤوا لهم ومعهم، سواء في كتاب تقليدي أو إلكتروني، نموا عقولهم كما نمت عقول من قرؤوا، فبالقراءة نمت الحضارات وتزدهر الأمم وكما قال الفيلسوف والكاتب الفرنسي فولتير: «لقد سئلت عن الذين سيقودون البشرية فقلت: الذي يعرفون كيف يقرؤون»!