* مجلس التعاون أنجح منظومة وتجمع إقليمي في منطقة الشرق الأوسط

* "درع الجزيرة" أبرز مجالات التعاون الدفاعي بين الدول الأعضاء

* "السكك الحديدية" أكبر المشروعات التنموية الاستراتيجية بين دول المجلس



وليد صبري

تحل اليوم الإثنين 25 مايو الذكرى الـ 39 لتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيما تتأهب دول المجلس لدخول مرحلة العقد الرابع لأبرز وأنجح منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وتجمع إقليمي خليجي عربي، في منطقة الشرق الأوسط تجمع أبناء دول الخليج العربي.

وفي عام 1981، قررت البحرين والسعودية والإمارات والكويت وعمان وقطر، خلال اجتماع في الرياض، إعلان وثيقة تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أعلنها وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل، وذلك بعد عقد سلسلة من الاجتماعات التحضيرية بين البلدان الستة.

وقد كانت البحرين والإمارات من أوائل الدول الداعية إلى الوحدة الخليجية، وهو ما أدى في وقت لاحق إلى إعلان قيام مجلس التعاون الخليجي، في حين تشير التقارير الصحفية إلى أن فكرة مجلس التعاون تزايدت لدى الدول الستة، منذ إعلان الحكومة البريطانية الانسحاب من دول الخليج في يناير 1968.

وفي 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو 1981م توصل أصحاب الجلالة والسمو قادة كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت في اجتماع عقد في ابوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وان التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية والنظام الأساسي للمجلس.

وتشتمل مجالات التعاون والإنجازات، على الشؤون السياسية، والتعاون العسكري، والأمني، والقانوني والقضائي، والإعلامي، والاقتصادي، وفي مجال الشؤون الإنسان والبيئة، واللجنة الاستشارية للمجلس الأعلى، وفي مجال تدقيق الحسابات، ومع الجمهورية اليمنية، والعلاقات الاقتصادية مع الدول والمجموعات الاقتصادية.

وتركزت أهداف تأسيس مجلس التعاون الخليجي في تحقيق التعاون والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات وصولا إلى وحدتها، وتوثيق الروابط بين الشعوب، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية، والمالية، والتجارية والجمارك، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ودفع عملية التقدم العلمي والتقني في مجالات الاقتصاد المختلفة عن طريق إنشاء مراكز بحوث علمية، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.

وقد قررت الدول الستة الأعضاء تأسيس 3 أجهزة للمجلس لضمان الانسيابية والمرونة في خطوات وقرارات مجلس التعاون الخليجي، وهي المجلس الأعلى لقادة الدول الأعضاء، وهو السلطة العليا، ويتكون من رؤساء الدول الأعضاء، وتكون رئاسته دورية حسب الترتيب الهجائي لأسماء الدول. ومن أبرز الاختصاصات وضع السياسة العليا لمجلس التعاون، والخطوط الأساسية التي يسير عليها، والنظر في القضايا التي تهم الدول الأعضاء، والتوصيات والتقارير والدراسات والمشاريع، التي يرفعها إليه المجلس الوزاري تمهيداً لاعتمادها، وتعيين الأمين العام.

وثاني الأجهزة، هو المجلس الوزاري، ويتكون من وزراء الخارجية للدول الأعضاء، أو من ينوب عنهم من الوزراء. وتكون رئاسته للدولة التي تولت رئاسة الدورة العادية الأخيرة للمجلس الأعلى، وإذا دعت الضرورة تسند الرئاسة للدولة التالية في رئاسة المجلس الأعلى. أما ثالث أجهزة المجلس فهي الأمانة العامة، ومقرها في العاصمة السعودية الرياض، وهي المعنية بتنفيذ المهام الإدارية، وتتكون من الأمين العام، ويعينه المجلس الأعلى من مواطني دول مجلس التعاون، لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. ويعاون الأمين العام أمناء مساعدون، وما تستدعيه الحاجة من موظفين من بين موظفي الدول الأعضاء، ولا يجوز الاستثناء إلا بموافقة المجلس الوزاري. وهناك أيضاً هيئة تسوية المنازعات، والتي يتم تشكيلها من العدد المناسب من مواطني الدول الأعضاء، غير الأطراف في النزاع الذي يرى المجلس الأعلى اختيارهم في كل حالة على حدة، حسب طبيعة الخلاف، على ألا يقل عددها عن 3، وللهيئة أن تستعين بمن تشاء من الخبراء والمستشارين.

واشتملت مسيرة مجلس التعاون على مدى نحو 4 عقود، منذ التأسيس، انعقاد 65 قمة خليجية، هي 40 اعتيادية، و17 تشاورية، و4 استثنائية "بينهم قمة خليجية أمريكية"، وقمتين أخريين خليجية أمريكية، إضافة إلى قمة خليجية مغربية بالرياض، وقمة خليجية بريطانية بالمنامة.

وعلى مدى نحو 4 عقود منذ التأسيس، حقق المجلس إنجازات عديدة، في مختلف المجالات، لاسيما المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.

فعلى الصعيد العسكري تعززت مجالات العمل الدفاعي الخليجي المشترك نحو مزيد من التكامل والتعاون والتنسيق المشترك، حيث تم التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك التي تم إقرارها في عام 2000، والتي تؤكد على أن أي اعتداء على إحدى دول المجلس هو اعتداء عليها جميعاً. كما تم تأسيس قوات درع الجزيرة المشتركة، وقيادة عسكرية موحدة.

وفيما يتعلق بالتعاون الأمني والدفاعي بين دول المجلس، تعد تدريبات التمرين التعبوي المشترك للأجهزة الأمنية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية "أمن الخليج العربي، أبرز مثال على التعاون القوي بين الدول الأعضاء، حيث شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة، انطلاق تدريبات التمرين التعبوي المشترك للأجهزة الأمنية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية "أمن الخليج العربي 2".

واستضافت دولة الإمارات التمرين، وهو الثاني من نوعه الذي تنفذه أجهزة الشرطة والأمن في دول مجلس التعاون الخليجي تفعيلًا لقرارات وزراء الداخلية دول الخليج.

ونفذ التمرين الأول نفذ في 2016 بمملكة البحرين، وذلك لتعزيز التعاون المشترك بدول المجلس التعاون الخليجي وتبادل الخبرات والتطوير المستمر في التعامل الأمني مع الأحداث والتحديات المشتركة.

وتعد قوات درع الجزيرة المشتركة أبرز مجالات التعاون الدفاعي بين دول المجلس، وهي قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي وتم إنشائها عام 1982، بهدف حماية أمن الدول الأعضاء مجلس التعاون الخليجي وردع أي عدوان عسكري، ويقود القوات في الوقت الحالي اللواء السعودي حسن بن حمزة الشهري. ويقع مقر قوات درع الجزيرة المشتركة في المملكة العربية السعودية، وتحديداً في مدينة الملك خالد العسكرية في محافظة حفر الباطن.

كما تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات، أبرزها، اتفاقية تنفيذ الأحكام والإنابات والإعلانات القضائية في عام 1997، والاتفاقيـة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون في عام 2002، واتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في عام 2004، اتفاقية الاتحاد النقدي لمجلس التعاون في عام 2010.

وحققت مسيرة العمل الخليجي المشترك، خلال السنوات الماضية العديد من الإنجازات والمشروعات التكاملية، بما في ذلك إنشاء السوق الخليجي المشترك، والاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، والربط الكهربائي، وهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، والهيئة القضائية الاقتصادية، وغيرها من الهيئات المتخصصة في مختلف المجالات الدفاعية والأمنية والتنموية.

ومن أبرز النتائج الاقتصادية لقمم مجلس التعاون الخليجي، إقامة منطقة التجارة الحرة بين دول الخليج في 1983، ومصادقة دول المجلس على الاتفاقية الاقتصادية في 2001، وإعلان قيام السوق الخليجية المشتركة في 2008، وبدء عمل المجلس النقدي الخليجي في 2010، وإطلاق مؤسسات اقتصادية مشتركة منها، مؤسسة الخليج للاستثمار، وهيئة التقييس لدول مجلس التعاون، ومركز التحكيم الخليجي.

وأنشأ مجلس التعاون العديد من الهيئات والمؤسسات المتخصصة في مختلف المجالات، بلغ مجموعها 30 هيئة ومنظمة، تنشط في رفد العمل الخليجي المشترك لتحقيق المزيد من التعاون والتكامل، وتزامن ذلك مع التركيز على توفير بيئة تشريعية وقانونية منظمة، حيث تم إصدار العديد من الأنظمة والقوانين الاسترشادية التي بلغ عددها 110 قوانين. أما الأنظمة والقوانين الموحدة فبلغ عددها 44 قانوناً. ويسعى مجلس التعاون إلى تحويل كافة القوانين الاسترشادية إلى قوانين موحدة.

ووفقا لتقرير المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فإن حركة التجارة الخارجية السلعية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية شهدت نمواً في قيمتها الإجمالية لتبلغ نحو 1.1 تريليون دولار حتى نهاية 2018، مقابل 986.2 مليار دولار في عام 2017 تمثل نمواً قوامه 11.1 %.

ووفقا لتصريحات المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي، فإن "دول المجلس تبتكر الحلول كي تحافظ على نسبة نمو اقتصادي سنوي جيد"، مضيفين أن "التبادلات التجارية سجلت قفزات كبيرة بنحو 167 ضعفاً في 15 عاماً، حيث بلغت 1.1 تريليون دولار في 2018، من 6 مليارات دولار في 2003".

وفيما يتعلق بمساهمة الدول الأعضاء في المجلس، فقد أظهرت البيانات الإحصائية الصادرة عن المركز أن ما يقارب ثلاثة أرباع حجم التجارة الخارجية السلعية لدول المجلس ساهمت فيها السعودية والإمارات.

أما الشركاء التجاريون لإجمالي الصادرات السلعية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فقد جاءت الصين في المرتبة الأولى من بين أهم الشركاء التجاريين لمجلس التعاون من حيث إجمالي الصادرات السلعية، حيث شكلت ما نسبته 15.1 % من إجمالي الصادرات السلعية لمجلس التعاون إلى الأسواق العالمية في عام 2018. كما جاءت الصين في المرتبة الأولى بين أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون في إجمالي الواردات السلعية لعام 2018، حيث شكلت ما نسبته 17 % من قيمة إجمالي الواردات السلعية لدول مجلس التعاون من الأسواق العالمية لعام 2018، تمثل قيمة 75.2 مليار دولار.

ويعد مشروع إنشاء السكك الحديدية بين دول المجلس من المشروعات التنموية الاستراتيجية الكبرى، ووفقا لتصريحات المسؤولين في مجلس التعاون الخليجي فإن "هذا المشروع الضخم يسير بوتيرة جيدة وفق توجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس"، مشيرين إلى أن "هذا المشروع الضخم يمتد لمسافة 2200 كيلو متر من مسقط إلى الكويت، ويحتاج إلى وقت وجهد وتمويل، ويحظى بمتابعة مستمرة من اللجنة الوزارية لوزراء النقل والمواصلات بدول المجلس"، مبينين أن "المشروع يعزز اقتصاد المجلس ويزيد التبادل التجاري والسياحة خليجياً وعربياً".

وعلى مدار 4 عقود، أسهم مجلس التعاون الخليجي في تعزيز الشراكات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، مع الدول العربية والتكتلات السياسية، إذ إن من بين الأهداف الرئيسة للمجلس تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دوله في جميع الميادين بما في ذلك تنسيق سياساتها وعلاقاتها تُجاه الدول الأخرى، والتكتلات والتجمعات الاقتصادية الإقليمية والدولية.