لولوة علي الرميحي

إن مشروع قرية البحرين التراثية لم يأت من فراغ، إنما بتوجيهات من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المفدى، للحفاظ على الموروث الشعبي، وضمن مشاريع شؤون الإعلام، ومن ضمن برنامج عمل الحكومة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، ومتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وليتم تنفيذه بهذه السرعة الكبيرة التي أشار إليها وزير شؤون الإعلام، علي بن محمد الرميحي، حيث تمت في 180 يوماً وبعمل متواصل لتخرج هذه القرية التراثية إلى حيز الوجود في منطقة راس حيان من المحافظة الجنوبية، التي عرفت بأصالتها ومحافظتها على الموروث الشعبي على مر العصور.

فمشروع قرية البحرين التراثية مشروع غاية في الأهمية لما له من أبعاد تاريخية وثقافية وفنية واجتماعية واقتصادية، تصب كلها في حفظ المكانة الحضارية لمملكتنا الغالية البحرين، وهو مشروع رائد كما أعتقد في المنطقة الخليجية والعربية، ولعل أبرز ما يمكن أن يقال عن هذا المشروع إنه صرحاً وطنياً يحفظ للبحرين تاريخها وثقافتها، ماضيها وحاضرها.



البعد التاريخي

يتمثل في تمثيلها للقوة السياسية والعسكرية منذ قيام الدولة الخليفية على هذه الأرض الطيبة بصرح قلعة الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة بمنطقة الرفاع وبمبنى «باب البحرين» ممهداً بدخول البحرين لتكون دولة حديثة مشتملا على دوائر حكومية عدة، وللاهتمام بالتعليم والصحة، وهما اللبنتان الأساسيتان كبنية تحتية قوية متمثلاً في مبنى مدرسة الهداية الخليفية التي تعتبر أول انطلاقة للتعليم النظامي في البحرين عام 1919 حيث تجاوزت البحرين المئوية فيه، ونموذج لأول مستشفى في البحرين, وما يمثله من وعي صحي لدى حكام آل خليفة الكرام، وانعكاساته على المواطنين في الحفاظ على صحتهم، وكان الجانب الديني حاضرا في شكل المساجد القديمة الكبير منها والصغير، ولم تهمل القرية التراثية الجانب الاقتصادي التاريخي بتمثيلها للأسواق البحرينية التاريخية، كما مثلت القرية التراثية مهنة الغوص التي مارسها الأجداد والآباء قديماً بتوجههم إلى أعماق البحار واستخراجهم اللؤلؤ البحريني الذي اشتهر في العالم بجودته وجماله.

وفي الجانب التاريخي أيضاً اهتمام حكام البحرين بالخيل العربية الأصيلة، وكذلك بتربية الأبل.

البعد الثقافي

يتمثل في شكل المباني وأنواعها الكبير والمتوسط والصغير وفي طريقة بنائها، وفي بناء الحيطان المصنوعة من الحجر والطين، وكذلك في أنواع المنازل المصنوعة من سعف النخيل «البرستي والكبر والعريش» وعيون الماء التي تشتهر بها البحرين.

كما كان لبرنامج المسابقات «السارية» أثر كبير في الإستفادة من هذه القرية، فهو ليس فقط برنامج مسابقات تلفزيوني، إنما هو ينطوي على الحفاظ على الموروث الشعبي من العادات والتقاليد في «الملبس» الشعبي البحريني العريق والجميل بأشكالة وألوانه المختلفة، وفي المفردة المستخدمة في هذا البرنامج من تراث عريق يحفظ للهجة البحرينية رونقها الجميل وأصالتها، وفي ما طرحه البرنامج من أسئلة تراثية وتاريخية، أعادت الكبار والصغار وارتباطهم بلهجاتهم وإنتماءاتها للغة العربية الفصحى ببلاغتها وجزالتها، وفي البشاشة البحرينية، والأساليب الترحيبية من خلال الفنانة القديرة «سلوى بخيت والإعلامية المتألقة نيلة جناحي والإعلامي المتميز حسن محمد».

هذه البساطة في استقبال استجابات المشاركين والمغلفة بالابتسامة، وكلمات الترحيب، التي تمثل صميم ما يمتلكه الشعب البحريني من رصيد حضاري وتربوي، الذي لها انطباعاته في العالم أجمع وقد أدخل هذا البرنامج البهجة في قلوب كافة شرائح هذا المجتمع، وخصوصا الفائزين بجوائز السارية، بدعم من سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ولجنة رياضات الموروث الشعبي، وشركة بتلكو للاتصالات وشركة إبراهيم خليل كانو وشركة يوسف عبدالوهاب الحواج وأولاده، كما لا ننسى أن ننوه بالدور الذي قام به كل من محمد جمال معد البرنامج والمرجع في المادة التراثية اللغوية، و أحمد معيوف الرميحي في مجال التراث الصحراوي وكذلك النوخذة عبدالله في مجال التراث البحري، ويظهر من خلاله الجانب الفني في قدرة طاقم هذا البرنامج على إنتاج مثل هذه البرامج الفنية المتميزة.

أيضاً من البعد الثقافي الأنواع من الطعام، والولائم الشعبية، التي تميز بها المطبخ البحريني، سواء منها مايتعلق باللحوم الحمراء والبيضاء على حد سواء، والتي تمثل المائدة البحرينية قديما وحديثا، وكذلك أنواع الحلويات التراثية اللذيذة، كما حفظت الألعاب الشعبية للأولاد والبنات، للأولاد على سبيل المثال «الدحروي، الدوامة» وللبنات «السكينة، الخبصة».

كما لا يخفى على أحد «فن العرضة» التي تمارس قديماً في الاستعداد للحرب، وما زالت تمارس في الأعياد، وفي الاحتفالات بالمناسبات السعيدة.

البعد الاجتماعي

من العادات الاجتماعية الجميلة أن يتجمع النساء لمديد العون والمساعدة في الطبخ لصديقتهن، التي حل على زوجها ضيوف، فكن يتشاركن في إعداد ولائم الغداء أو العشاء، وقد ظهر ذلك جليا في عدد السيدات اللاتي يقمن بإعداد وجبة السحور في برنامج «السارية» وبطريقة تقليدية، تثير الانتماء للماضي الجميل.

ويتضح البعد الاجتماعي أيضا في تجمع السيدات في حوش المنزل سواء مصنوع من الحجر أو من السعف، ويتبادلن أطراف الحديث ويتناولن «القدوع» مع القهوة العربية.

وكذلك في تجمع الرجال والشباب في المجالس، التي تعد مدارس حافظت على عادات وتقاليد أهل البحرين، حيث يتسامر الرجال، ويتبادلون الأحاديث والأشعار، ويستمعون إلى حكمة الكبار، ويتعلمون الكثير من الآداب والسلوكيات الطيبة «السنع» والتي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.

البعد الاقتصادي

تعتبر قرية البحرين التراثية نواة إعلامية لإنتاج برامج ومسلسلات تراثية، بحيث تستثمر في هذا المجال، وتوفر على الإعلام البحريني ما ينفقه سابقاً في مثل هذه البرامج، كما ستكون استثماراً في حال استفاده دول المنطقة من هذه القرية في المجال الإعلامي.

كما تعتبر القرية معلماً سياحياً لإقامة العديد من الفعاليات والبرامج التراثية والثقافية، مما يكون له مردود اقتصادي على المملكة كمؤسسات حكومية وجهات أهلية وأفراد.

فقرية البحرين التراثية تعد اليوم معلماً كبيراً من معالم البحرين سيحفظ لمملكتنا الغالية تاريخها، وتراثها، وثقافتها، وحاضرها ومستقبلها – بإذن الله.