يُفترض أن المؤشرات «إيجابية» أكثر مما سبق، باعتبار أن العالم يتجه إلى العودة تدريجياً للحياة السابقة، قبل ظهور فيروس «كورونا»، لكن السؤال هنا: هل المؤشرات بالفعل إيجابية؟!!

قبل الإجابة على السؤال، لا بد من أن ندرك حقيقة ثابتة تتمثل بأن هذا الفيروس «لن يتراجع من تلقاء نفسه»، إذ مازال العالم يفتقد وجود «علاج أكيد» له، ومازال العالم بعيداً أيضاً عن إيجاد «مصل» أو «لقاح» يجنب آخذه الإصابة.

المسألة الوحيدة المرتبطة بـ«التحكم» في مدى انتشار هذا الفيروس، تتمثل بـ «الناس أنفسهم»، وذلك من خلال «تكيفهم» و«تعاملهم» معه، لا عبر «الغوص في أحضانه» والإصابة به ثم التشافي، بل عبر «تجنب» الوقوع ضحية له، وهذا يتحقق عبر «الالتزام» بالإجراءات الاحترازية والضوابط التي وضعت، وهذا الكلام تحديداً تم تكراره عشرات المرات.

نريد أن نعود لحياتنا، نريد العودة لأعمالنا، نريد للاقتصاد أن يتعافى، نريد بسرعة أن نجبر الضرر الذي لحق بعديد من القطاعات، لكن المقلق أن «تعامل البشر» مع «جدية» هذا الفيروس تمضي في اتجاه معاكس.

الدليل على ما نقوله يتمثل بالإجابة على السؤال أعلاه، إذ «ماذا حصل لنا خلال الـ24 ساعة الأخيرة؟!».

الدولة في جانب تمضي لتعزيز إجراءاتها، والاستمرار في فحوصها الطبية التي وصلت تكلفتها إلى قرابة 68 مليون دينار! نعم مبلغ كبير جداً معني بإجراءات احترازية لـ «حماية الناس»، لكن يقابل هذا «خفوت» لدرجة الوعي لدى شرائح عديدة، رغم وجود بشر ملتزمين بالضوابط.

خلال أقل من 24 ساعة، تفاجأنا بتجمعات بشرية كبيرة على ساحل بلاج الجزائر، رغم التنبيهات والتأكيد على الالتزام بالتباعد الإجتماعي، الأمر الذي اضطر للتدخل السريع واتخاذ إجراءات لوقف هذا الاستهتار. في الوقت نفسه توفي 4 أشخاص في حصيلة تفوق ما شهدناه من وفيات سابقة، وهنا أتحدث عن المدى الزمني، وضعوا معها تسجيل البحرين لأكبر عدد من المصابين خلال 24 ساعة، رغم وجود مؤشر إيجابي يتمثل بتعافي أكبر عدد أيضاً، إذ تعافى 847 شخصاً، وسجلت إصابة 495 شخصاً بينهم 341 حالة ضمن صفوف العمالة الوافدة.

هذه الأرقام، وهذه الحالات تكشف عن عدم التزام بالضوابط، ما قد تعرقل عملية العودة للحياة تدريجياً، لأن العودة ليست معنية فقط بموعد إعلانها، أو بتواقيت زمنية لتخفيف القيود، بل معنية بـ«تشديد الالتزام» من قبل الأفراد أنفسهم، إذ الحذر يجب أن يتضاعف، وتطبيق التعليمات والإجراءات يجب أن يكون «جاداً».

البحرين تقوم بالفحوص، وتوفر أماكن للحجر والعزل والاستشفاء، وتوفر للجميع ما يلزمهم من إقامة ومأكل ومشرب، وكلها أموال كبيرة تضخ يومياً، وهو وضع لن تجدوه يحصل في كثير من الدول المتقدمة، وتقوم به الدولة من منطلق مسؤولية، بالتالي على الجميع تحمل المسؤولية، إذ لو كانت كل هذه الخدمات تقدم مقابل رسوم، فهل كان الاستهتار سيصل لهذا الحد؟!

لا تضيعوا جهود الذين يعملون بجد في الصفوف الأولى، لا تسببوا لهم الإحباط، فلا يعقل أن يجاهدوا ليبنوا حاجزاً منيعاً، ونقوم نحن بهدمه بكل سهولة وبلا مسؤولية!!