* إنجاز "مرفأ تونس المالي" بتنفيذ "بيت التمويل الخليجي" بنحو 3 مليارات دولار

* نعمل مع البحرين لرفع التبادل التجاري وتكثيف الاستثمارات وفق قاعدة النفع المشترك

* إعادة 58 مواطناً إلى تونس ونقل 21 مقيماً إلى المنامة على متن نفس الرحلة


* السفارة تقدم العون والمساعدة لأبناء الجالية من الذين يواجهون صعوبات مادية ظرفية

* 2000 تونسي في البحرين أغلبهم بقطاعات التعليم والصحة والسياحة والمال

* لدى مجلس التعاون الخليجي كل المقومات ليكون نموذجا ناجحا للتجمعات الإقليمية

* أزمات المنطقة بسبب مناخات استراتيجية مغايرة للأوضاع بتونس

* في تونس لا نعتمد مصطلح "الربيع العربي" الذي أُطلقته وسائل الإعلام الغربية

* تونس تسعى لبلورة مبادرة جديدة تعبر عن إرادة الشعب الليبي

وليد صبري

كشف سفير تونس في البحرين سليم الغرياني عن "انطلاق مشرعين بحرينيين، الأول يتعلق بإنجاز مرفأ تونس المالي، والذي شرعت في تنفيذه مجموعة "بيت التمويل الخليجي"، أما الثاني فيتمثل في إقامة وحدة لصيد وتصدير سلطعون البحر "القبقب"، حيث تتم عملية الصيد والتصدير من تونس إلى البحرين ودول أخرى، من خلال مستثمر بحريني".

وأضاف سفير تونس في تصريحات خاصة لـ "الوطن" أن "الجانب التونسي، سجل في الفترة الأخيرة بداية اهتمام من قِبل عدد من المستثمرين بالسوق البحرينية، حيث بادر بعضهم إلى إقامة شركات لتقديم خدمات مختلفة من ضمنها بالخصوص الحلول المعلوماتية والمالية".

وقال إنه "على غرار المبادلات التجارية، تُعتبر حركة الاستثمار بين البلدين متواضعة جدا رغم الفرص العديدة المطروحة والإمكانيات المتاحة أمام الصناعيين وأصحاب رأس المال التونسيين والبحرينيين، سواء للاستثمار المباشر أو لعقد شراكات، فمن الجانب البحريني، لم نسجل، لحد الآن، سوى مشروعين استثماريين في تونس، يتمثل الأول في إنجاز "مرفأ تونس المالي"، وهو مدينة مندمجة تمتد على 523 هكتارا، وتتضمن مُركّب أعمال، وخدمات مالية، وتجارية، وعلاجية، وتعليم جامعي، وإقامات سكنية، ومرافق رياضية وسياحة وترفيه، شرعت في تنفيذه مجموعة "بيت التمويل الخليجي" في منطقة تونس الكبرى، ويُعد من المشاريع الكبرى العملاقة، إذ يُقدر حجم التمويلات فيه بنحو 3 مليار دولار".

وأشار إلى أن "المشروع الثاني يتمثل في إقامة وحدة لصيد وتصدير سلطعون البحر "القبقب"، ينكبّ القائمون عليه على وضع اللّمسات الأخيرة لدخوله حيز الإنتاج الفعلي، حيث تتم عملية الصيد والتصدير من تونس إلى البحرين ودول أخرى، من خلال مستثمر بحريني".

وأعرب سفير تونس عن أمله في أن "يساهم النجاح المرتقب لهذين المشروعين في استقطاب المزيد من المستثمرين البحرينيين نحو بلادنا، خصوصا أن تونس كانت قد راجعت، مع نهاية سنة 2016، إطارها القانوني الخاص بالاستثمار، حيث أقرت حوافز عديدة مغرية ومشجعة للمستثمرين الأجانب".

وذكر أنه "من الجانب التونسي، فإننا سجلنا في الفترة الأخيرة بداية اهتمام من قِبل عدد من المستثمرين بالسوق البحرينية، حيث بادر بعضهم إلى إقامة شركات لتقديم خدمات مختلفة من ضمنها بالخصوص الحلول المعلوماتية والمالية".

في رد على سؤال حول خطة تونس لجذب المستثمرين البحرينيين، أفاد السفير الغرياني بأنه "على مستوى الدولة، تم إعداد حزمة مهمة من الامتيازات المالية والحوافز الجبائية لفائدة المستثمرين التونسيين والأجانب من خلال القانون الجديد للاستثمار. ومن أهم هذه الحوافز، علاوة على حرية الاستثمار وتحويل المرابيح وقيمة بيع الأصول التي هي على ملك المستثمر الأجنبي، ما يلي، تمنح الحكومة أصحاب رؤوس الأموال المستثمرين في 13 منطقة محددة في القانون نسبة 15 في المائة من تكلفة الاستثمار، على ألا تتجاوز المنحة الحكومية حدود 1.5 مليون دينار تونسي "نحو 600 ألف دولار"، وتمكّنهم من الإعفاء من الضرائب لمدة 5 سنوات، وتم تحديد 134 منطقة تعاني من ضعف كبير على مستوى الاستثمار والتنمية أين سيُمنح المستثمرون فيها نسبة 30 في المائة من تكلفة الاستثمار، على ألا تتجاوز المبالغ الممنوحة من قبل السلطات حدود 3 ملايين دينار تونسي "نحو 1.2 مليون دولار"".

ولفت إلى أنه "بالنسبة للقطاعات والأنشطة الاقتصادية ذات الأولوية على مستوى الجهات في القانون الجديد، فقد شملت القائمة، على سبيل المثال، استخراج المواد الإنشائية وترويجها على حالتها، تشغيل شبكات الاتصال والتزويد بخدمات الإنترنت، إنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز والمحروقات باستثناء إنتاج الطاقات المتجددة، والخدمات العقارية وخدمات الإيجار ووكالات الأسفار السياحية".

وقال إنه "على وجه العموم، قدَّم القانون الجديد للاستثمار عدداً مهمّاً من الامتيازات والحوافز على المستوى الوطني، من بينها منحة الرفع في القيمة المضافة والقدرة التنافسية، ومنحة التنمية المستدامة بعنوان مقاومة التلوث وحماية البيئة، ومنحة تشجيع التصدير والقطاعات المجددة، ومنحة القطاعات ذات الأولوية والمنظومات الاقتصادية في الصناعة والخدمات".

وذكر أنه "على مستوى السفارة، فإننا نعمل على مزيد ربط الصلة بين الفاعلين في القطاع الخاص من البلدين، لاستكشاف فرص الاستثمار والشراكة في الاتجاهين، وذلك من خلال حثّ أصحاب الأعمال على تكثيف تبادل الزيارات والمشاركة في الفعاليات المقامة في كل من تونس والبحرين من صالونات ومؤتمرات، ونحن نعوّل كثيرا على مساندة ودعم مختلف الهياكل الحكومية والخاصة لتحقيق ذلك".

وأوضح أنه "إجمالا، نرى من واجبنا التذكير بأن تونس بلد يزخر بالامتيازات الجذابة للاستثمار الخارجي ولإنجاز المشاريع، إذ أنها تنعم بموقع استراتيجي هام بين أوروبا والقارة الإفريقية، وبمناخ طبيعي معتدل، وببنية أساسيّة ووسائل اتّصالات عصريّة، وتتوفر فيها يد عاملة ماهرة ونظام بنكي نشيط ومناطق حرّن للأنشطة الاقتصاديّة بكلّ من بنزرت بشمال البلاد وجرجيس بالجنوب".

وفيما يتعلق بالمجالات المختلفة في التعاون بين تونس والبحرين لا سيما المجال الدفاعي والثقافي، أوضح السفير الغرياني أنه "يعود التعاون الثنائي بين تونس والبحرين لبداية الثمانينات من القرن الماضي، وهو في تطور مستمر ويشمل عديد المجالات. ولعل من أبرز مظاهر هذا التعاون استعانة البحرين بأعداد هامة من الكوادر التونسية للعمل في المملكة وتقديم خبراتهم في قطاعات حيوية كالطب والتمريض، والتعليم العالي والثانوي، وهندسة الماء والكهرباء، والخدمات المالية والإعلامية، وغيرها من الاختصاصات التقنية الأخرى. ويرتبط البلدان الشقيقان بعدد هام من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وبرامج التعاون التنفيذية، تغطي المجالات الاقتصادية والدفاعية والأمنية والثقافية والصحية والتعليمية وغيرها. ونحن نعمل بصفة مستمرّة على تفعيل هذه النصوص القانونية، وتحيينها، وعلى إبرام المزيد منها بهدف الاستفادة المشتركة المثلى مما يأتي فيها من بنود وتوصيات تؤطر التعاون الثنائي وتدفع بالمبادلات البشرية والاقتصادية والثقافية بين البلدين إلى ما ينفع الجانبين".

وقال إن "عدد أبناء الجالية التونسية في البحرين، يقرب من 2000 شخص، أغلبهم من الإطارات العليا وأصحاب الخبرة الذين أوفدتهم تونس إلى العمل في البحرين في إطار ما نطلق عليه بالتعاون الفني بين البلدين، ويشتغل عدد كبير من هؤلاء في قطاعات مثل التعليم والصحة والسياحة والفندقة والمجال المالي".

وفي رد على سؤال حول تنظيم سفارة تونس رحلات خاصة لتأمين عودة مواطنين من البحرين إلى تونس نتيجة أزمة كورونا (كوفيد 19)، قال سفير تونس "تمكنت السفارة من تنظيم رحلة إجلاء لفائدة التونسيين يوم 17 مايو 2020، بالتعاون والتنسيق مع وزارة الخارجية البحرينية، وبهذه المناسبة، أُجدد شكري الجزيل لكافة الجهات البحرينية التي ساهمت في إنجاح هذه العملية وبالخصوص اللّجنة التنسيقية بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ووزارة الخارجية، ووزارة الداخلية، ووزارة الصّحة، وغيرها من الهياكل الفنية، كما أتقدم أيضا بالشكر إلى كافة الجهات التونسية المعنية التي ساهمت بدورها في نجاح هذه الرحلة".

وأضاف السفير الغرياني "وقد أمكننا بالمناسبة، إعادة 58 شخصا إلى أرض الوطن، ونقل 21 شخصا من المقيمين بمملكة البحرين كانوا قد علقوا ببلادنا، من العودة إلى المنامة على متن نفس الرحلة عند انطلاقها من تونس، ويبقى الأمل قائما في عودة حركة النقل الجوي في العالم تدريجيا إلى وتيرتها، مع ظهور بوادر استعداد بعض شركات الطيران لإعادة تسيير رحلاتها بعد انحسار هام للجائحة وشروع عدد من الدول في التفكير بشأن إعادة فتح الحدود، خاصة ونحن على أبواب الإجازات الصيفية والحجوزات السياحية، الأمر الذي، إن تأكد، قد يسمح للعديد من المقيمين والمتضررين بالسفر، لا سيما أن جلّ العالقين من غير المقيمين قد غادروا على متن رحلة الإجلاء المشار إليها".

وأشار إلى أنه "بالتوازي مع ذلك، تستمر السفارة بشكل شبه يومي في تقديم العون والمساعدة لأبناء الجالية من الذين يواجهون صعوبات مادية ظرفية بسبب إيقاف بعضهم عن العمل أو تعليق دفع رواتبهم جراء جائحة فيروس كورونا، ولا يفوتني بهذه المناسبة، أن أتقدم بالشكر والامتنان إلى مملكة البحرين قيادة وشعبا لما أظهرته من تضامن وتآزر مع المقيمين والمواطنين على حدّ السواء في هذه الجائحة العالمية، متمنيا السلامة والصحة للجميع".

وتطرق السفير التونسي إلى نظرة بلاده لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، موضحاً أنه "مقارنة بالتعثر الذي تشهده، مسيرة "الاتحاد المغاربي"، كنا في دول شمال إفريقيا ننظر إلى "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" كنموذج ناجح جدا للتجمعات الإقليمية، وذلك اعتبارا لما يجمع الدول الأعضاء فيه من قواسم مشتركة وتجانس في الأنظمة السياسية ووضوح في الأهداف. وكنا بالفعل نرقب تطور هذه التجربة ونشأة مختلف الهيئات المشتركة، وإقرار التسهيلات العديدة لمواطني المجلس، حتى بدأ الطموح يقترب من تحقيق المزيد من الاندماج من خلال التخطيط لاتحاد جمركي واتحاد نقدي، وصولا إلى فكرة تحويل المجلس إلى اتحاد خليجي والتنسيق فيما بين دوله سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. ولكن للأسف، حدثت الأزمة الداخلية بين الدول الأعضاء، وتفاقمت إلى أن وصلت إلى ذروتها سنة 2017، وتعطلت بالتالي تجربة إقليمية عربية أخرى كنا نأمل أن تشكل دافعا قويا لبقية دول الوطن العربي للعمل على التكتل لتحقيق نوع من المناعة الاقتصادية المشتركة على الأقل، على غرار ما نراه في مناطق أخرى من العالم".

وفي رد على سؤال حول وجهة النظر التونسية بشأن حل الأزمة الليبية، قال السفير الغرياني "تجمع تونس وليبيا علاقات تاريخية راسخة ومتميزة بحكم ما يربط الشعبين الشقيقين من أواصر جوار وأخوة ومصاهرة، عريقة ومتينة، ولذلك، فإن تونس كانت على الدوام، ولا تزال، تقف في صف الشعب الليبي الشقيق، تتضامن معه وتدعمه في تطلعاته المشروعة نحو الأمن والاستقرار والوحدة".

وذكر أنه "سياسيا، تتموقع بلادي على نفس المسافة من كل الأطراف الليبية المتنازعة ولا تنحاز لأيّ منها، وتدعوها إلى اعتماد نهج الحوار والتوافق الوطني لإيجاد حلّ مشترك للأزمة، كما تؤكد تونس رفضها لأي حل عسكري للصراع الدائر، وأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الليبية باعتبار أن التسوية لن تكون إلا بين الأطراف الليبية، وتشدد على أن يضم الحوار السياسي جميع الليبيين مهما كانت انتماءاتهم".

وأكد أن "الدبلوماسية التونسية تعمل على التقريب بين الفرقاء الليبيين وعلى إنجاح أي جهود في هذا الإتجاه، وقد أطلقت تونس مبادرة رئاسية سنة 2017، لتحقيق التسوية السياسية الشاملة في ليبيا، ونسّقت لذلك مع كل من مصر والجزائر، ثم استقبلت عديد الشخصيات الرسمية الليبية، من أهمّها فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وعبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة والمشير خليفة حفتر وكافة ممثّلي المشهد السياسي والشعبي في ليبيا وأهمّهم رؤساء "المجلس الأعلى للقبائل والمدن اللّيبية". كما احتضنت تونس الحوار الوطني بين مجلس النواب ومجلس الدولة الليبي في محاولة للدفع باتجاه الاتفاق السياسي، ويسعى رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، منذ انتخابه في أكتوبر الماضي، إلى بلورة مبادرة جديدة بشأن ليبيا، تعتمد الانتقال من الشرعية الدولية، التي تبقى هي المرجع طبعا، إلى شرعية ليبية ليبية تعبر عن "إرادة شعبنا في ليبيا"، كما جاء على لسانه".

وفي رد على سؤال حول ما إذا كانت المنطقة لا تزال تعاني من تداعيات ما يسمى "الربيع العربي" خاصة مع ما يحدث في سوريا والعراق ولبنان واليمن، أفاد السفير الغرياني قائلا "نحن في تونس لا نعتمد مصطلح "الربيع العربي" الذي أُطلق في البداية من قِبل بعض وسائل الإعلام الغربية، نحن عشنا سنة 2011 تغييرا جذريا على مستوى حكم البلاد بعد أن استفحلت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وتفاقمت البطالة خصوصا في أوساط خريجي الجامعات، كل هذه العوامل، وغيرها مما زادت في الاحتقان، اجتمعت في ظل قطيعة تعمّقت على مرّ الأيام بين سلطة توغّلت في الحكم الفردي والفساد وشعب تاق إلى الحرية والكرامة".

وأكد أن "ما ميز الثورة التونسية عن غيرها من "ثورات الربيع العربي" هو أنها كانت سلمية لحدود بعيدة، ساعد في نجاحها شعب ذو درجة عالية من النضج والمدنية وطبقة سياسية كانت قادرة على الحوار والتوافق، رغم اختلافاتها الإيديولوجية والحزبية الكبيرة".

وقال إنه "بالتالي، نحن نعتقد أن استمرار الأزمات في باقي دول المنطقة العربية يرجع بالأساس لمناخات وسياقات اجتماعية وثقافية وتاريخية واستراتيجية مغايرة للأوضاع السائدة في تونس، ويساهم التعقيد "complexity" الذي يطبع عناصر وأبعاد الصراعات التي اندلعت في عدد من دولنا العربية بعد 2011، في استمرارها وقتا طويلا واستِعارِ حِدّتها، لا سيّما بسبب التدخلات الخارجية التي تصاحبها".