واشنطن - (الحرة، وكالات): تعكس المؤشرات الحالية مستقبلا قاتما لبشار الأسد بعد عشرين عاما في الحكم نصفها حرب أهلية دمرت سوريا. وحتى حلفاؤه الأوفياء، إيران وروسيا، يشعران بالحرج منه، مع اقتراب سريان قانون قيصر، حيث بدأت فكرة استبداله تلوح في الأفق في محاولة لتخفيف الضغط الأميركي عليهما.

هذا الواقع يعني أنه وبعد 20 عاما من اضطهاد السوريين وتشريدهم والقضاء على ثرواتهم، يبيع الأسد سوريا لإيران وروسيا مقابل البقاء في الحكم، لكن في المقابل يبدو أن موسكو وطهران تستعدان لبيعه مقابل الحفاظ على مصالحهما وبقاء أنظتهما مستقرة.

قدم بشار الأسد نفسه شخصية إصلاحية للبلاد بعدم أن تسلم الحكم إثر رحيل والده حافظ في منتصف عام 2000، إلا أنه قضى نصف فترة حكمه وهو في حرب داخلية أنهكت الدولة وشردت الملايين من السوريين وقتلت الآلاف منهم.



حاول بشار أن يظهر مختلفا عن عن والده حافظ الذي حكم البلاد بسطوة ويد من حديد، إلا أن الابن قدم ثمنا غاليا للحفاظ على مكانه على كرسي الرئاسة، بأن جعل سوريا منطقة تنافس إقليمية تتقاسمها إيران وروسيا اللتان تغذيان الحرب وتدعمان النظام.

تكلفة بشرية تسببت بكارثة إنسانية دفعها بشار، وتكلفة أخرى مالية بسبب النزاع المستمر منذ 9 سنوات، حيث يقدر المركز السوري لأبحاث السياسة التكلفة الاقتصادية للحرب بمبلغ 530 مليار دولار من 2011 إلى 2019، وفق تقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز".

وخلال 20 عاما من حكم بشار أصبح أكثر من 80 في المئة من السوريين يعيشون في فقر مدقع، ليثبت بذلك ما جاء الكتاب الذي صدر العام الماضي "الأسد أو نحرق البلد"، إذ أن شهوته للبقاء في الحكم حتى لو دمر البلاد أو باعها للغير أكبر من مسؤوليته عن الحفاظ على سوريا.

وبعد تسع سنوات من الحرب لم يعد الشعب السوري، حتى من لم يؤيد المعارضة، قادرا على الصمود والسكوت أكثر على ما يحصل، ما دفع بخروج تظاهرات في مناطق مثل السويداء وريف دمشق حيث هتف الناس مطالبين برحيل الأسد.

نؤكد طهران أن وجودها العسكري في سوريا مرحب به، وتم بطلب من النظام في دمشق عبر دعوة رسمية لمساعدة الأسد في القضاء على المعارضة التي طالبت برحيله عام 2011.

التدخل العسكري الإيراني في الصراع السوري بدأ في أواخر العام 2011، والذي كان بمظاهر منخفضة، حيث قدمت طهران معدات وأسلحة وحتى مساعدات نقدية، وبمطلع 2012 بدأت في إرسال بضع مئات من ضباط فيلق القدس، وكبار مسؤولي حزب الله للمساعدة للتخطيط للمعارك والحروب، وفق بيانات نشرها موقع الجيش الإسرائيلي.

التدخل الإيراني الذي كان خجولا في بدايته تغير في منتصف 2014 بعدما بدأ تنظيم داعش الإرهابي بالظهور، حيث ضعف نظام الأسد ولم يعد له القدرة على السيطرة على العديد من المناطق، حيث بدأت طهران بإرسال آلاف المقاتلين الإيرانيين.

العمليات العسكرية الإيرانية داخل سوريا يديرها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وكان يرأسه قاسم سليماني، الذي استطاع جمع غالبية الفصائل المسلحة الشيعية وغيرها تلك الداعمة للنظام من أجل القتال تحت إمرة القوات الإيرانية.

منذ 2011 دعمت روسيا النظام السوري سياسيا، ولطالما حاولت حمايته من مغبة أية قرارات دولية أو أممية، ولكن تدخلها العسكري المباشر بدأته في سبتمبر 2015، والذي كان أول تدخل عسكري لموسكو منذ نهاية الحرب الباردة خارج مناطق الاتحاد السوفيتي السابق.

وحتى في 2012 نشطت روسيا في توفير الأسلحة والمعدات والذخائر للنظام السوري، حيث قدرت عقد الأسلحة الموقعة في حينها أكثر من مليار ونصف دولار، شكلت نحو 10 في المئة من مبيعات الأسلحة الروسية، وفق تقرير نشرته "بي بي سي" في يناير 2012.

وبدخول روسيا كلاعب أساسي في سوريا بحجة محاربة داعش، بدأت المنافسة الحقيقية ما بين موسكو وطهران، حيث استحوذت روسيا على الدفاع الجوي، فيما انهمكت إيران في المعارك على الأرض.

في 2015 بعدما بدأت الأنباء عن الضربات الجوية التي تنفذها موسكو بروسيا، أكيد تحليل أجراه معهد بروكينغ أن التدخل الروسي في سوريا يعني بالضرورة إطالة "لصراع لا نهاية له أصلا".

وفي تحليل أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "سي.أس.آي.أس" في مايو الماضي بعنوان "حرب موسكو في سوريا"، فقد حقق الرئيس فلاديمير بوتين أهدافه السياسية والعسكرية "القصيرة الأمد فقط" في دمشق، وذلك من خلال "تفادي سقوط نظام الأسد".

وأضاف التقرير أن بقاء الأسد أو عدمه غير ضروري لتحقيق موسكو أهدافها داخل سوريا وفي المنطقة، فبعد حمايته ودعمه قرابة عقد من الزمان، فإن روسيا تراجع كل خياراتها في هذا الصدد.

مع عودة الاحتجاجات في مناطق يسيطر عليها النظام في سوريا، يرى محللون أن بشار الأسد عاد للمربع الأول في الصراع الداخلي، حيث فقد الدعم من مؤيديه، وهو على أعتاب أزمة اقتصادية حادة مع اقتراب تطبيق قانون قيصر.

منى يعقوبيان، باحثة في معهد الولايات المتحدة للسلام قالت لصحيفة فايننشال تايمز إن الاحتجاجات التي حصلت خلال اليومين الماضيين تكشف مدى اليأس الذي وصل إليه الناس الذين نجوا من أسوأ صراع في المنطقة، وأن تفاقم شعورهم بالفقر دفعهم إلى الحافة.

نظام الأسد يلوم الغرب على أزمته الاقتصادية، خاصة العقوبات الأميركية الجديدة بقانون قيصر، ولكن خبراء يؤكدون أن أزمة البلاد الاقتصادية ما هي إلا نتاج سنوات من فساد النظام، الذي لم يأبه لتجويع وتشريد وقتل شعبه على مدى عقد كامل.

وتظاهر عشرات من سكان مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا الثلاثاء، مطلقين هتافات مناوئة للنظام في محافظة بقيت بمنأى نسبيا عن النزاع الدائر في البلاد، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وشبكة أنباء محلية.

وتشهد المدينة منذ الأحد تظاهرات مطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية تزامنت مع انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق الموازية بين يومي السبت والإثنين من 2300 ليرة ليتخطى عتبة ثلاثة آلاف، ما أدى إلى ارتفاع قياسي في أسعار السلع والمواد الغذائية.

ويعيش اليوم الجزء الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وتشهد الليرة السورية انهيارا غير مسبوق ومتواصلا أمام الدولار يؤدي الى تآكل القدرة الشرائية للسوريين.

رغم بطش وعنف الأب حافظ إلا أنه يحسب له أنه أبقى دائما على سوريا مستقلة عن التدخل الأجنبي، فيما أصبح بشار مدينا للنفوذ الخارجي من أجل الحفاظ على نظامه سليما، وفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس.

وارتبط اسم الرئيس الراحل بالقمع الدموي لانتفاضة الإخوان المسلمين في مدينة حماة عام 1982، ما تسبب بمقتل عدد تتراوح التقديرات بشأنه بين عشرة آلاف وأربعين ألفا، فيما يرتبط اسم بشار حاليا بحرب راح ضحيتها أكثر من 300 ألف شخص، وهجر الملايين منهم.

بشار الذي تسيطر قواته حاليا على 70 في المئة من مساحة البلاد، يدين بذلك إلى دعم رئيسي من حليفين أساسيين هما إيران وروسيا، ولكن ما الثمن الذي دفعه سوى أن أصبحت بلاده المدمرة ساحة للتنافس بين قوى دولية.

يقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى فيص في مقال نشر على "موقع الحرة" إنه وبعد تسع سنوات على الثورة، وأربع على تدخلها المباشر، تواجه قوات القيصر الجديد أشباحا من نوع آخر، لا تملك لا القدرة على مواجهتها ولا إمكانية هزيمتها. فسلاح العقوبات الأميركية المعروفة بقانون "قيصر" الذي دخل حيّز التنفيذ مطلع هذا الشهر، ينقل الصراع على سوريا إلى مواجهة من نوع آخر لا تعتمد على الترسانة العسكرية ولا على الدبلوماسية الدولية، حيث قوة الضغوط الاقتصادية التي سيطبقها قانون "قيصر" على النظام السوري وحلفائه، كفيلة بإفراغ كافة انتصارات هذا الحلف الجيوسياسية والعسكرية من مضمونها، وتعيده إلى نقطه البداية أي بحث مستقبل النظام ورأسه.

ويؤكد الكاتب أن موسكو باتت تدرك جيدا أن طريق الحل في سوريا لم تعد سالكة، وأنها الآن مليئة بمطبات "قيصر" وشروطه التعجيزية، وأن النكسات على مشروعها تتوالى، بعدما طوت واشنطن فكرة إعادة تعويم الأسد، وقطعت الطريق على محاولة أوروبية ـ عربية لإعادة تأهيل النظام، ووضعت خطوطها الحمر حول عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، ولم تعترف بمسار أستانا كبديل عن مسار جنيف.

ويبدو أن الوقت قد حان لأن تأحذ روسيا حصتها من ثروات لاسوريين مقابل الحفاظ على الأسد عدة سنوات في الحكم، كما أن إيران تنافس على المقابل الذي ستظفر به لقاء ما أنفقته من أموال ودماء في سوريا عبر الحرس الثوري وحزب الله اللبناني.

فقبل أيام كشفت وثيقة نشرتها محكمة القضاء الإداري السورية على صفحتها بموقع فيسبوك أن المحكمة قضت بفرض الحراسة القضائية على شركة سيريتل التي يملكها رجل الأعمال المعروف رامي مخلوف في ظل نزاع كبير بشأن مستحقات متأخرة.

وأمرت السلطات بالتحفظ على الأصول التي يملكها مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد وأحد أثرى رجال الأعمال في سوريا، للتخلف عن سداد ضرائب للجهة المسؤولة عن تنظيم الاتصالات السورية تقدر بنحو 134 مليار ليرة، أي نحو 77 مليون دولار بسعر الصرف في السوق الموازية حاليا.

وجاء في وثيقة المحكمة أنها حكمت بفرض"الحراسة القضائية على الشركة المدعى عليها (شركة سيريتل موبايل تيليكوم) وتسمية الشركة السورية للاتصالات ممثلة برئيس مجلس إدارتها حارسا قضائيا لهذه المهمة".

وكان مخلوف يوما أحد المقربين من الأسد، وقد وصف التحفظ على الأصول بأنه غير قانوني ومحاولة من الحكومة لوضع يدها على الشركة. وكشف النزاع العلني غير المسبوق عن شقاق نادر داخل النخبة الحاكمة في سوريا.

التقديرات تشير إلى أن روسيا تريد أن تستحوذ على قطاع الاتصالات السوري، وأن تحصل على أموال تسد بها عجزا وضعفا اقتصاديا تعاني منه، حيث باتت روسيا وكيلة للحروب من أجل المال والسيطرة على الروات، ويبدو أن وجهتها التالية هي ليبيا عبر مرتزقتها في شركة فاغنر.