الدهشة التي يتابع بها العالم احتجاجات السود الأمريكيين، هزت الثقة في النموذج الأمريكي. فأمريكا في المخيال العالمي هي الحلم الحضاري. حيث يمكن لأي فرد أن يحقق ذاته دون أن تعترضه أية مشكلة. ودون أن يتعرض له أي شخص. كانت أمريكا رمز الحق والعدل والمساواة، فإذا بالسود ومن تضامن معهم من البيض يتظاهرون مطالبين بالحق والعدالة.

يدور نقاش محتدم في وسائل الإعلام الأمريكية حول مدى صحة وجود «عنصرية ممنهجة» في أمريكا. وهل تجاوزت أمريكا القضية العنصرية، وتمكنت من دمج جميع فئاتها وتحقيق العدالة فيما بينها، أم أن العنصرية لا تزال متغلغلة في الثقافة وفي السلوك الأمريكي؟

وكأي قضية جدلية فإن الآراء تنقسم لفريقين. الأول يرى أن أمريكا تعيش عصر «ما بعد العنصرية» خصوصاً بعد وصول العديد من السود إلى مناصب سياسية متقدمة ومؤثرة جداً على مستوى العالم. ذلك النهج الذي انتهى بتولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. بينما يرى الفريق الثاني أن تمكن بعض السود من تحسين أوضاعهم ووصولهم إلى الصفوف الأولى لا يعني تلاشي أسوار العنصرية بقدر ما يعني تمكن حالات فردية من النجاح بعد اجتهادها واستناداً إلى ظروف أخرى معقدة لها علاقة بالانتماءات الحزبية وتشابك علاقاتهم مع ذوي النفوذ الاقتصادي والعسكري. بينما تشير معطيات الواقع الأمريكي الأوسع إلى أن العنصرية هي جزء من الإيقاع الضابط للحياة.

وطرح المختصون معطيات عديدة تشير إلى عدم تجاوز أمريكا المنهجية العنصرية. منها الفوارق الاقتصادية بين البيض والسود. تقوقع السود في ولايات ومدن معينة يغلب عليها تدني الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية. ارتفاع نسبة البطالة بين السود حتى بين خريجي الجامعات بنسبة واضحة عن البطالة بين البيض. الممارسات الأمنية المبالغ فيها في حال الاشتباه الأمني بالسود. جميعها ممارسات تدل على أن السياسات المطبقة وأنماط الحياة تشير إلى أن المجتمع الأمريكي بنهج مؤسساته وتوجهات العديد من أفراده مجتمع لم يتعافَ من العنصرية بعد.

بالتالي، فإن ذلك يدل على أن العنصرية هي أزمة عالمية يتعين علاجها كآفة عالمية لا تقتصر على شعوب بعينها، أو ثقافات في حد ذاتها. خصوصاً وأن العبودية كانت جزءاً أصيلاً من تاريخ البشرية.