أيمن شكل

لم يكن التباعد الاجتماعي أمراً جديداً على الشباب والناشئة في البحرين، بل إنه مفعِّل بالنسبة لهم اختياراً، وقبل الإعلان عنه إجباراً في زمن "كورونا"، فقد ألزمتهم الألعاب الإلكترونية البيوت وأصبح معظم الشباب والناشئة رهينة غرف نومهم، وتحولوا للمقابلات الافتراضية على هواتفهم، بل إن منهم يرفض مقابلة نفس الأشخاص وجها لوجه، وحذر أطباء نفسيون من خطورة هذا الوضع الذي ربما يصل بالنشء لأمراض الصرع والفصام.

تلك المشكلة تحدثت عنها زهراء التي لا يغادر طفلها غرفته مطالعاً شاشة التلفزيون لساعات يلعب مع أبناء خالته على الأونلاين، وتسمعهم يتكلمون مع بعضهم حول ما يفعلونه أثناء اللعب، ومن الرابح ومن الخاسر، ويأمرون بعضهم البعض بالتحرك في اتجاهات لتفادي ضربات العدو الافتراضي وتبادل التهاني على فوز أو السخرية من أحدهم عند الخسارة.



لكن يظل هذا التواصل والحديث من خلال سماعات الأذن وميكروفونات الفم، وكل حبس غرفته، وتقول زهراء: حين أخبر ابني بأني ذاهبة لبيت العائلة وسيكون بقية الأطفال متواجدين، فإنه يرفض الذهاب، رغم أن ذلك الأمر كان من أحد مطالبه اليومية في السابق، لكي يلعبوا جميعا في باحة المنزل، وأضافت: الآن يرفض الذهاب بحجة أنه يلعب معهم أونلاين وهو متأكد أنهم لن يأتوا لبيت العائلة.

تلك الأحداث كانت قبل ظهور كورونا أمرا غير طبيعي بالنسبة لزهراء، لكنها اليوم باتت وضعا مألوفا بالنسبة لها، ولا تجد منه مفر، لأن قواعد التباعد الاجتماعي اختلطت بقواعد لعبة الأطفال والتقت القاعدتان عند هدف واحد، لا تعلم متى ينتهي وبأي نتيجة سيكون عند انتهاء أزمة كورونا.

أحمد شاب في الثامنة عشر من عمره، ولا يغادر غرفته إلا للذهاب إلى الحمام، بينما يقضي باقي الوقت مناكفاً أصدقاءه، ولكن عبر التلفون الذي يمسكه بيديه الاثنين حتى يتمكن من التحكم في اللعبة، وقال إن هذا أمر طبيعي اعتدنا عليه أنا وأصدقائي منذ سنتين تقريبا، حيث نظل على تواصل مستمر خلال اليوم، أكثر مما كنا نلتقي في أماكن خارجية.

ويرى أحمد في ارتفاع درجات حرارة إجازة الصيف مبرراً لعدم الخروج من الغرفة، فحين يطلب منه والده الخروج للتريض أو الذهاب إلى النادي، يتعذر بالأجواء الحارة، ويفضل البقاء قريباً من المكيف واقعا، ومتواصلا مع أصدقاءه افتراضيا.

وعندما بدأت أزمة فيروس كورونا، وتم فرض التدابير الاحترازية والبقاء في المنزل، لم يتأثر أحمد بها، لأنها أمور عادية كان يفعلها قبل كورونا بوقت ليس بالقصير، ووجد فيها المبرر الأنسب للبقاء على هذا الوضع المفضل له والمكروه بالنسبة لوالده.

وتعليقاً على هذا الأمر وأثره على سلوكيات الشباب في المستقبل والحالة النفسية لهذه الفئة أكدت د. عين الحياة استشارية الطب النفسي، أن العزلة والتباعد قد تؤدي إلى أمراض نفسية وسلوكيات قد تكون مضرة، وقالت إن الاكتئاب من الأمراض الواردة في مثل هذه الحالات، وازدياد التوتر والقلق نتيجة استعمال الأجهزه الإلكترونية بشكل مبالغ فيه، يؤدي أحيانا إلى الصرع وتزداد احتمالية أمراض خطيرة مثل الفصام.

وألقت بعبء التقصير على الأهل تجاه الأبناء، وقالت إن فيروس "كورونا" كشف هذا التقصير، فعند بدء تطبيق البقاء في البيت وتواجد الأسرة بشكل مستمر، لوحظت سلوكيات كانت غائبة عن ناظريهم، بل إن كثير من العوائل كانت سعيدة ومستمتعة بانشغال أبناءهم عنهم مما أدى لتباعد نفسي ومعنوى، وجاءت جائحة كورونا لتكشف العديد من السلوكيات المزعجة.

وأشارت د. عين الحياة إلى أن صدامات تحدث بين الأبناء وأهليهم، تصل إلى مراكز العلاج النفسي في صورة شكاوى من ازدياد التوتر والقلق والانزعاج، وقالت إن الحل يبدأ بوقفة من الأب والأم مع الابناء، ينطلق من خلالها الحوار الهادئ ومحاولات التقرب بشكل بسيط وبدون أى ضغط حتى لا تؤدي إلى نتائج عكسية.

وأكدت استشارية الطب النفسي أن محاولة إيجاد اهتمامات مشتركة بين أفراد الأسرة والبحث فى هوايات الابناء ومحاولة تنميتها ومشاركة الجميع فى المهام المنزلية، وإبداء الاستعداد لسماع الأبناء ومقترحاتهم ومشاركتهم ألعابهم ومحاولة إيجاد مادة لطيفة للحوار سيسهم بالقضاء على المشكلة.

أما بالنسبة للأبناء فنصحت د. عين الحياة بالعمل على توجيه طاقاتهم فى رعاية حيوان منزلي أو زرع بعض النباتات أو رعاية أحد الأشقاء أو الجد أو الجدة، بمعنى إيجاد موقع مهم لتواجده فى المنزل مما يزيد ترابطهم بالأسرة، وفى حالة الفشل مع أحد الابناء ينصح باللجوء لمتخصص كطبيب نفسي لأخذ المشورة ومعرفة الوضع النفسي هل وضع طبيعي ناتج عن التباعد أو أنه اضطراب سلوكي أو نفسي.