يكرر الكثير منا مقولة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» كعنوان منمق فضفاض وشعار يكون محور نقاشاته ولكنه مع أول اختلاف بالرأي يحاربك أنت والود والقضية.

فالبعض يلجأ لشخصنة خلافاته بالرأي ويحول الموضوع من خلاف بالرأي إلى خلاف شخصي وتصفية حسابات توصله للطعن في شخصه وعرضه وأخلاقه، مع أنه يكتب في معرفه الخاص في التواصل الاجتماعي «أتقبل الجميع» ولكنه في حقيقة الأمر يتقبل نفسه وفكره فقط ويرفض الجميع.

إن عملية الاختلاف في الرأي ظاهرة صحية في المجتمعات من شأنها توسيع المدارك وتعطيك سعة في الأفق وربما تجذب أنظارك لبعض النقاط التي من الممكن أن تكون قد غضضت البصر عنها مسبقاً.

ولذلك علينا أن نحرص على أن نختلف في الأفكار ولكن نرتقي بأخلاق الخلاف، فالعيش ضمن قوقعتك الخاصة أو الخاصة بجماعتك وانتماؤك تسلبك حرية الرأي وحرية التفكير لتكون في صندوق تفكير ضيق رسم حدوده لك جماعتك وناسك.

فماذا ترجو من حضور ندوة يقدمها شخص من محيطك ونشأ على نفس خطاك وينتمي لنفس حزبك أو جماعة تفكيرك، كذلك الحضور هم من مريدي هذا الفكر أو أعضاء الحزب؟!

ستكون هي تلك الأفكار نفسها ربما تصاغ بطريقة مختلفة ولكنها في النهاية تدور حول نفس الأشخاص ونفس الأفكار مع بعض الحداثة عليها.

ومن الغريب أن بعض الجماعات ترفض أن تقيم ندوة أو تدعو أي شخص أو متحدث من خارج جماعتها ومخالف لأيديولوجيتها ليكون ضمن المتحدثين خوفاً من مريديها على التأثر بهذا الشخص، وذلك يعود لكهنتة بعض الجماعات وتقديسها لشخوصها وبعدها عن تقديس المبدأ التي تقوم عليه.

إن الاختلاف لا ينقص أسباب الائتلاف بيننا بل يزيدها، ولا يقوض معالم الحرية بل يشيدها، غير أننا نرى في مواقع التواصل الاجتماعي اليوم صوراً مناقضة، فبعضهم يريد الاحتكار، فلا صحة إلا لأقوالهم، ولا صواب إلا في آرائهم، ولا حرية إلا حريتهم عند طرح أفكارهم وكل مخالف لها يتم التهجم عليه، وتجدهم يضيقون على كل من يخالفهم الرأي ولا تجد عندهم روح التسامح والحب والألفة.

فعلينا أن نتمسك عند الاختلاف بأخلاق النبلاء، ونجعل من اختلافنا هذا وسيلة للتكامل وليس مجالاً للصراع، بل مجالاً لاكتساب الخبرات وتفتح العقل، وبالتالي إفساح المجال أمام الآخرين للتعبير عن آرائهم وأفكارهم ووجهات النظر دون تسفيه أو تحقير أو تبادل أو اتهامات وتخوين.