دائماً أكرر القول بأن لدينا اليوم وسائل سريعة يمكن من خلالها استقصاء آراء الناس، بما يشكل لدينا أدوات قياس لتوجهات الشارع ومزاج المواطن، وهنا أعني طبعاً وسائل التواصل الاجتماعي.

وبناء عليه قمت قبل يومين بنشر فيديو على حسابي في الإنستغرام، طلبت فيه من الناس تحديد عدد من الظواهر الإدارية الخاطئة التي تصادفهم في مواقع العمل، سواء أكانوا تأثروا بها مباشرة، أو حصلت أمامهم لأشخاص آخرين، وذلك عبر ذكر هذه الظواهر كعناوين وحالات دون الخوض أكثر في التفاصيل التي تشير لأسماء القطاعات أو الناس منعاً لأي تشهير.

بغض النظر عن التفاصيل المعنية بممارسات أفراد وسوء إدارتهم، وماذا فعلوا، وفيمَ أخطؤوا بالتحديد في عملية الإدارة، والتي كثير منها وثق في تقارير الرقابة المالية والإدارية، كان هدفي من طرح السؤال واستقطاب تفاعل الناس يرتكز على أهمية استقاء المعلومات من الأشخاص الذين عايشوا هذه التجارب، ومن قبل الأشخاص الذين ذاقوا مرارة تداعيات سوء الإدارة، بالتالي عملية الإصلاح الإداري بالنسبة لهم تمثل آمالاً وطموحات سامية.

عشرات ردود الأفعال وصلتني، سواء من خلال التعليقات تحت المقطع الذي نشرته في الإنستغرام، أو من خلال البريد الإلكتروني، بما يشكل مادة أولية غنية تكشف لنا عن جوانب عديدة لها شواهد على الأرض، معنية بالأضرار التي تصيب قطاعات وجموعاً من البشر لو تفشت ظواهر إدارية خاطئة وممارسات غير قويمة في أي قطاع كان.

اليوم ونحن نسعى لأن نجعل بلادنا نموذجاً متقدماً في عمليات الإصلاح وهندسة الممارسات المبنية على الحكومة، وعلى الإدارة القويمة، لا بد من منطلق أولى تحديد المشاكل الموجودة، وكذلك لا بد من رصد الممارسات الخاطئة التي تحتاج إلى تقويم، وهذه العملية يصعب أن يقوم بها أي مسؤول بحد ذاته، أو عبر جهود فردية، من خلالها سيحاول افتراض وجود مشاكل بعينها، بقدر ما هي عملية سلسة لو تم إشراك الناس فيها، والوقوف على خبراتهم وتجاربهم، وهذا العملية بحد ذاتها باتت سهلة اليوم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

كثيرة هي الأمثلة السلبية التي وصلتني، وكثيرة هي الحالات التي تجعلنا نستغرب من إيغال البعض في ممارسات إدارية خاطئة، ما يعني أن أمامنا اليوم أحد التحديات الهامة لأجل تعزيز المشروع الإصلاحي في البحرين، ولأجل الحفاظ على رأس المال البشري من كفاءات وطاقات وحمايتها من التعرض للظلم والتعسف والتنمر الإداري وغيرها من سلوكيات سلبية.

التحدي يكمن في إدراك الواقع الحقيقي الحاصل في كل قطاع، وتصنيفه من ناحية كونه بيئة عمل صالحة أو نقيضها، وتحديد ماهية الممارسات التي يقوم بها المسؤولون ومدى توافقها أو تعارضها مع الإدارة الصالحة، وبناء عليه تتم المعالجات وعمليات التصحيح.

الحديث يطول كثيراً هنا، لكن خلاصة القول تتمثل بأنك قد تكون لديك منظومات واعدة، تسعى لأهداف سامية، لكن بوصلة عملها تتوه، وطاقاتها البشرية تضيع، فقط لأن الإدارة فيها ليست إدارة قويمة.