في الوقت الذي يكثر فيه الحديث والنقاش عن مساعي الدول في مختلف أنحاء العالم نحو تعزيز وتسريع عملية التحول الرقمي وتحفيزها عبر اعتماد مختلف الإصلاحات في قطاعاتها الاقتصادية التي من شأنها أن تساهم في التخفيف من العوائق البيروقراطية، بسبب جائحة "كوفيد 19" وما أسفرت عنه من سياسات التباعد الاجتماعي والتحول نحو اعتماد الحلول الإلكترونية في مختلف القطاعات الاقتصادية، إلا أنه من المهم القول إن البحرين كانت شرعت في اتخاذ العديد من الخطوات والمبادرات الإصلاحية في العديد من القطاعات والمجالات الاقتصادية قبل أن تبدأ الجائحة.

ويعكس ذلك التوجه المسبق الذي تعتمده المملكة في سياسة التحول الرقمي بهدف مواكبة أحدث التطورات التكنولوجية عالمياً، حيث تهدف هذه الإصلاحات في المحصلة إلى ترسيخ الشفافية والمساواة، والاستثمار في عامل الوقت من خلال تقليل الوقت المطلوب لإجراء المعاملات الحكومية بصورة قياسية، وهو ما يعتبر عاملاً مهماً في تسريع إنجاز المشاريع وبالتالي ينعكس على تسريع عجلة الإنتاجية والإنجاز وتحقيق الرفاهية الاقتصادية.

وسعينا من خلال هذا التحقيق إلى رصد أبرز المبادرات الإصلاحية التي سيتم إجرائها في ظل التوجه نحو التحول الرقمي، والتي تشمل القطاع العقاري والمنظومة التشريعية والقضائية، إلى جانب ما يتعلق بمجال تأسيس وإنجاز الأعمال ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والتجارة عبر الحدود.



ومن خلال استطلاع آراء العديد من المختصين والمراقبين في هذه القطاعات والمجالات التي ستشملها هذه التحولات فإننا نهدف إلى التعرف على مختلف الآراء حول هذه المبادرات والتغييرات المحتملة لها على الحركة الإنتاجية في القطاع إلى جانب المردود الاقتصادي المتوقع.

أتمتة جميع مراحل النشاط العقاري وتخفيض قياسي في وقت الإنجاز

بدأ الدكتور ماهر الشاعر، الرئيس التنفيذي لديار المحرق حديثه بالقول "كجزء من التحول الرقمي للحكومة ، تم أيضًا نشر جميع خدمات التسجيل العقاري عبر الإنترنت، بما في ذلك حجز المواعيد والتسجيل. كما تم رقمنة جميع سجلات الأراضي ورسم قطع الأراضي في البحرين بالإحداثيات مما عمل على تحسين سهولة وصول المطورين إلى المعلومات المتعلقة بالأراضي المتاحة والتطورات الجارية في البحرين. وقد تم تطوير الخدمات الجديدة استجابة لخطة ورؤية التحول الإلكتروني لمملكة البحرين لتحسين سرعة معاملات تسجيل العقار.

بالإضافة إلى ذلك ، تتوفر خدمة المواعيد عبر الإنترنت للعملاء الذين يرغبون في الوصول إلى مجموعة واسعة من الخدمات من قبل الأقسام المختلفة مثل قسم الشؤون الفنية ، أو مسح المساحة ، أو الرهن العقاري/القانوني، أو التسجيل / سند الملكية، أو استفسار عام. تكمل هذه الخدمات الجديدة النطاق الواسع الحالي من الخدمات المتاحة تحت "الخدمات الإلكترونية" مثل المتجر الإلكتروني ، واستعلام حالة التطبيق ، ومبيعات الخرائط.

كما و انه تم خلال السنة الماضية السماح للقطاع الخاص بإجراء عملية التوثيق العقاري وبخطوات ميسرة ستسهم في اعتقادي في التقليل كثيراً من وقت الانتظار وهو ما يعطي دفعة للعقاريين والمطورين والتجار للانطلاق في تنفيذ مخططاتهم بسرعة".

المجالات التشريعية والقضائية: الإصلاحات عززت من حيوية المنظومة القضائية وسرعة البت في القضايا

ومن جانبها أكدت الأستاذة المحامية آمال العباسي الشريك الإداري لشركة نيوتن ليجال ومكتب المحامية آمال العباسي، بأن ما شهدته المنظومة التشريعية والقضائية من تطورات متلاحقة في الثلاث سنوات الأخيرة، والتي من أبرزها إنشاء إدارة الدعوى المدنية والتجارية، والذي أدى إلى سرعة البت في عدد كبير من الدعاوى التجارية؛ إذ لا يتعدى زمن نظر هذه الدعوى والفصل فيها عدة أشهر، أما عن سياسة التحول الرقمي التي تنتهجها مملكة البحرين في مرفق القضاء نتيجة التنسيق بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء مع الحكومة الالكترونية، فقد أدت إلى إدخال تحسينات كبيرة على إجراءات التقاضي، وساهمت في تعزيز سرعة البت في الدعاوى المنظورة، وقد شملت هذه التحسينات تسريع الإجراءات القضائية والعدلية التي كانت في السابق تستغرق وقتاً أطول، إلى جانب أن سياسة تحويل الخدمات القانونية إلى منحى رقمي، وصيرورة نظام المحاكم رقمياً قد عزز الاستدامة، وسهَّل إجراءات تسجيل الدعاوى، والحصول على نسخ من الأحكام القضائية، والصيغ التنفيذية، ومتابعة ملفات التنفيذ، وتقديم الطلبات فيها، وإمكانية سداد الرسوم القضائية الكترونياً عن كافة تلك الإجراءات على مدار 24 ساعة دون التقيد بمواعيد العمل الرسمية، فضلاً عن سرعة وسهولة تبادل المذكرات والمستندات بين أطراف الدعاوى دون الحاجة إلى الحضور الشخصي للجلسات، وسرعة التواصل مع أطراف الدعوى ووكلائهم، والتبليغ بالإعلانات والقرارات القضائية، وما أدى إليه ذلك من تقليص أمد التقاضي وآجال الجلسات، ورفع معدل الحسم في القضايا.

واعتبرت العباسي أن سياسة التحول الرقمي في القطاع العدلي بات أمراً حتمياً في ظل التطور الباهر الذي يشهده العالم في الأنظمة الذكية، ولا شك أن التحول الرقمي الذي حققته وزارة العدل بالتنسيق مع المجلس الأعلى للقضاء والحكومة الالكترونية يضع مملكة البحرين في موقع ريادي إقليميًا ودوليًا.

التحول الرقمي وسرعة التخليص الجمركي

وحول مبادرات التحول الرقمي في ما يتعلق بالتجارة الدولية، أشار السيد ياسر الأمين رئيس جمعية المخلصين الجمركيين البحرينية أن "مملكة البحرين خطت العديد من الخطوات والمبادرات التي ستساهم في تسهيل التجارة عبر الحدود، وهو ما يتوافق مع الرؤية الاقتصادية 2030 لمملكة البحرين نحو استخدام الحلول التكنولوجية المتطورة في تبسيط العمليات الجمركية. فعلى سبيل المثال تركيب الماسحات الضوئية في ميناء خليفة بن سلمان التي تعتمد على بوابة عالية التقنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي ستمكن من تحميل المعلومات تلقائيًا حول الشحنات، وبالتالي بات من الممكن فحص المعلومات حول الشحنة قبل أن تصل الحدود، وهو مما يعزز بشكل كبير من سرعة العمليات وزيادة الطاقة الاستيعابية."

وأضاف رئيس الجمعية: "أنه تم الحد من استخدام الأعمال الورقية من خلال عمليات الدفع وتقديم الوثائق بشكل الكتروني وإتاحة الوصول إليها إلكترونياً، ذلك ساهم بشكل كبير من تقليل وقت إجراءات التخليص الجمركي بالإضافة الى العديد من الإجراءات التي قامت بها شئون الجمارك لغايات تسهيل التجارة، مثل تطبيق نظام المخاطر في تسهيل الإجراءات عبر الحدود، وتقليل الوثائق المطلوبة للتخليص على البضائع وعدم الحاجة إلى تقديم شهادة المنشأ، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تعزيز كفاءة إعداد الوثائق للمخلصين. فمن واقع خبرتنا فإن وقت إعداد وتقديم المستندات والحصول على الموافقات لا يستغرق أكثر من يوم واحد."

كما أوضح الأمين انعكاس كفاءة تطبيق برنامج النافذة الواحدة التي تقوم على التخليص الالكتروني من قبل الجمارك والجهات الرقابية وجميع المتعاملين من مختلف القطاعات. وإن إطلاق المبادرات مثل: برنامج "الدانة"، برنامج القائمة البيضاء للتسهيل، ودربك خضر ساهم في الحد من الكثير من الازدحام في المنافذ التي كانت تواجه المصدرين وساعد في تقليل زمن الافراج عن البضائع.

ختاماً، بين الأمين: "في ظل هذه الظروف فإن ما قامت به شئون الجمارك مؤخرا بالعديد من الإجراءات الاحترازية للتعامل مع وباء (كوفيد 19) قلل من حدة تداعيات الجائحة على المصدرين والمستوردين. وساهم في تلبية متطلبات واحتياجات العملاء من المستثمرين والمخلصين والتجار والأفراد والتأكد من انسياب البضائع من مختلف المنافذ بيسر وسهولة على الرغم من كافة التحديات. ونتطلع إلى مزيد من المبادرات المماثلة التي تصب في مصلحة مملكة البحرين وتعزيز تجارتها الدولية".