عندما نستعرض حالنا المسكين في الفكر والفلسفة والحرية الفكرية في ظل ضيق مساحة الحرية في البلاد العربية وسطوة ثقافة التكفير إلى الدرجة، بما يجعل الجاحظ اليوم مفكراً للمستقبل، مع أنه كان يتهجّى الأبجدية الأرسطية، ويجعل من المعتزلة الحزب التقدمي العقلاني للمستقبل مع أنّه مارس العنف ضد معارضيه الفكريين! فأيّ بلاء أكثر من أن نكون أقل قدرة على الكلام من الجاحظ والتوحيدي وابن رشد والمتنبي وطه حسين والعقاد وقاسم أمين والطاهر الحداد ومالك بن نبي، والعشرات غيرهم من المفكرين، بل وأقل جرأة من علم الكلام القديم، وأقل قدرة على التعبير عن مواقفنا في قضايا الفكر من أناس عاشوا قبل 15 قرناً، بل لا نزال قضايا الحرية والديمقراطية والعدالة منفصلة عن الفكر، مع أن الحرية مرتبطة بمشكلة الإنسان وتحمله لمصيره بإرادته الحرة.

وبالرغم من أننا ورثنا علم الكلام، فإنهم علمونا أنه «خوض في متاهات لا طائل من ورائها ومجادلة في الدين، عقدت مبادئه الواضحة وحولته إلى مهاترات بين الفرق، يصنع بها المتكلم ما يشاء»، لذا كان علم الكلام وما يزال منبوذاً في الثقافة الدينية، وما يزال ينظر إليه على أنه نتاج مشبوه... يستوي في ذلك رأي أبي حامد الغزالي في «تهافت الفلاسفة» وسيد قطب في «التصّور الإسلامي»: «إننا على يقين بأن التصور الإسلامي لن يخلص من التشويه والانحراف والمسخ، إلا حين نلغي منه جملةً وتفصيلاً كل ما أطلق عليه اسم الفلسفة الإسلامية وكل مباحث علم الكلام». ويغيب عن الذين تزعجهم الفلسفة وعلم الكلام، لأنهم يكرهون طرح السؤال -مع أنه أساس الوجود الحيّ- إن علم الكلام قد نشأ استجابة لرؤية الأمة في مرحلة النهوض الحضاري وتصورها للعالم وللوجود ولدور الإنسان فيه، وأن هذه المباحث -رغم طابعها المعقد- قد شكلت أهم مقوّمات الفكر العربي الإسلامي، وأنّ صراعاً فكرياً كبيراً قد شقّها، صراعاً بين قوى الاستنارة المدافعة عن الإرادة الحرة وقدرة الإنسان على الخلق والإبداع، والقوى المتشبثة بالجبرية والحرفية.

* همس:

قصائدنا المهربة

عبر نوافذ البحر

وشجرة الزيزفون

والوردة،

يسكنها الفرح المسكوب في الحزن،

ويظللها الشوق الذي لا ينام.

وفي القلب المنهك في غرف الغيب،

نتكئ على سماء شاحبة،

خلف الغيوم المسافرة.