حديثي اليوم لأبناء السبعينات ومن يكبرهم سنا، هذا الجيل الذي اعتاد على الجلوس بالبيت أيام الزمن الجميل، أتذكرون؟ يوم أن كان المكان الطبيعي لنا هو الجلوس في البيت، حينها لم تنتشر المطاعم، ولا المجمعات تجارية، ولا السينمات الفاخرة التي تحيط بها المقاهي، فالبرنامج اليومي للجميع بعد العودة من العمل هو الجلوس بالبيت، واستغلال هذا الوقت في أعمال منزلية مفيدة مثل الاهتمام بحديقة المنزل، أو صيانة المنزل صيانة خفيفة، أو تصليح السيارة وصيانتها وتلميعها، وغسلها، وربما القيام بأعمال النجارة الخفيفة في المنزل، أو ممارسة هواياتنا كالقراءة وتربية الحمام أوالأشغال اليدوية وغيرها، أما الخروج للبرامج الترفيهية والتسوق، فكانت تقتصر على إجازة نهاية الأسبوع، وغالباً ما تكون عبارة عن رحلة على شاطئ البحر أو قضاء يوم جميل تحت الأشجار في المنتزهات أو في المناطق الصحراوية «البر»، أما التسوق فيقتصر على المناسبات كشراء ملابس العيدين والمدارس، كان المتنفس الوحيد للنساء والأطفال هو تجمع أطفال ونساء الحي مع بعضهم البعض في البراحات بالحي أو في حديقة بيت أحد الجيران، وترى غالبية الناس يعودون للبيت قبيل أذان المغرب، فتجتمع الأسرة وتنبعث الحيوية في البيت، أتذكرون عندما كانت الشوارع تسكن وتهدأ قبل الساعة التاسعة مساء فلا مارة ولا سيارات فيخيم الصمت والسكون على شوارع المدينة، وتهدأ الأجساد، وتهدأ النفس، وتسدل الجفون باكرا؟

أتذكرون عندما كان ينتهي إرسال القنوات التلفزيونية الساعة الحادية عشرة، ويبدأ الإرسال عند الساعة السابعة مساء؟ أما يوم الإجازة فيستمر إرسال القنوات التلفزيونية حتى الساعة الواحدة مساءً. كنا قد ألفنا حياة الهدوء والسكينة، كنا نعرف كيف نستغل وقتنا خلال بقائنا في المنزل، كنا نعرف كيف نستمتع ونرفه عن أنفسنا ونحن في البيت، فلا خروج ولا ترفيه إلا في نهاية الأسبوع.

فما بالكم اليوم تتذمرون من المكوث في البيت، ما بالكم ترونه حبساً وتقييداً للحرية، ما بالكم نسيتم كم كنتم تبدعون في استثمار الوقت وأنتم ماكثون في المنزل، كانت متعتكم الحقيقية هي الجلوس بين أفراد الأسرة، فكل القضية أنكم عدتم لعادتكم القديمة، والفرق بين جلوسكم في البيت في الماضي، وخلال حملة «خلك بالبيت» أنكم في الماضي كنتم تشعرون بالسعادة عند جلوسكم بالبيت، واليوم أصبح البيت قيداً لكم، تلك فرصة لأن تعودوا لما كنتم عليه ففي الجلوس بالبيت سكينة وراحة للأعصاب وترابط للأسرة، فلتعد حليمة لعادتها القديمة.. ودمتم أبناء قومي سالمين.